عزله البريطانيون عقاباً له على مواقفه الوطنية
علي عبد الكريم ... السلطان الثائر
بقلم الرئيس علي ناصر محمد
ثمة اشياء أهم من السلطنة، والسلطة، والحكم، والنفوذ، والثروة.
الوطن ... نعم الوطن ... وحده نداء الوطن هو ما استدعى من السلطان علي عبد الكريم العبدلي أن يترك كل شيء من اجل كل شيء ملتحقاً بالحركة الوطنية بعد ان عزله البريطانيون عقاباً له على مواقفه الوطنية.
الوطن نعم الوطن .. فكل الأشياء تنتهي إلا الوطن، وكل الأشياء الى زوال الا الله.
لقد مضى زمن طويل منذ ذلك الحدث التاريخي الذي تخاطفته وكالات الأنباء وأجهزة الاثير والصحف والمجلات، وكان العنوان (المانشيت) الأبرز يومها.
كان قرار السلطان علي عبد الكريم الالتحاق بالحركة الوطنية تحدياً لدولة الاحتلال بريطانيا العظمى التي كانت سلطنته كما بقية السلطنات والامارات والمشيخات الجنوبية تحت الاحتلال والانتداب البريطاني بموجب اتفاقيات جائرة.
كان الزمن يتغير ... اذ كان زمن افول الاستعمار وصعود المد القومي التحرري العربي، وتحرر العديد من البلدان العربية من سطوة الاحتلال.
وكان الزمن زمن الحرية وبزوغ فجرها في الوطن العربي بدءً من مصر وثورة 23 يوليو وجمال عبد الناصر. وهو ما اوصل فيما بعد قوات مصر إلى الشمال دعماً للجمهورية وثورة 26 سبتمبر 1962م بقيادة المشير عبد الله السلال وعلى تخوم القاعدة البريطانية في عدن.
كانت الشعوب العربية تبحث عن الحرية بعد عقود من الاحتلال الاجنبي والحكام المستبدين .. ولم يكن الجنوب وشعبه استثناء من هذا الفجر الذي كانا يحلمان به ويناضلان في سبيله ، وهكذا امتد اعصار الثورة الى الجنوب حيث اندلعت ثورة الرابع عشر من اكتوبر من جبال ردفان الشماء التي بشر بها الشاعر الوطني الكبير عبد الله هادي سبيت رفيق درب السلطان علي عبد الكريم بقوله :
يا شاكي السلاح شوف الفجر لاح حط يدك على المدفع زمان الذل راح
ليصل هدير الثورة الى عمق القاعدة البريطانية في عدن وسائر ارجاء البلاد، وذلك بعد سنوات قليلة من التحاق السلطان علي عبد الكريم بالحركة الوطنية، وكأنه كان يقرأ المستقبل بطريقة ما...
وربما كان للتأثير الساحر للزعيم الخالد جمال عبد الناصر، والظروف الموضوعية والذاتية المحيطة وانجذاب السلطان علي عبد الكريم الى افكار الحرية والثورة، وهي أمور كلها كان لها جاذبيتها وتأثيرها الساحر على جيل ذلك الزمان كما كان حالنا وحال الثوار الذين خاضوا معركة الحرية والاستقلال.
وفي ثنايا كل ذلك كان عشقه الكبير لوطنه الصغير أو سلطنته لحج، وللسلاطين العبادل الذين حكموها طريقتهم الخاصة في حب لحج كما هو دأب أهل لحج عموماً، فلا يتنفسون هواء غير هوائها ولا يفترشون ارضاً غير ارضها، ولا يمكن لأحد أن يعبر عن هذا الحب أفضل من الأمير أحمد فضل القمندان ابن شقيق السلطان علي عبد الكريم كما عبر عنها في أشعاره وألحانه التي ملأت سمع الناس ولا تزال.
فلا ابدع ولا اروع من هذه الاشعار والاغنيات ولا بقاع اجمل وارحب من هذه البقاع، ماءها، فلها، كاذيها، اشجارها، وحسينيها .. كل شيء في عيون القمندان جميل وساحر ومن خلال لحج يمتد به العشق إلى أبعد الحدود (الجنوب) بتضاريسه، بحره، وصحرائه، وجباله، وغزلانه ووديانه، والمحيط المتحرك من الناس .. العواطف، والمشاعر، والرغبات والاحلام والافكار.
والسلطان علي عبد الكريم نفسه لعب دوراً كبيراً في نهضة لحج الادارية والتعليمية والثقافية والفنية وقد لمستها خلال عملي كمدرس ومحافظ في لحج، فكان لها دورها بعد ذلك في رفد الجنوب في عهده الجديد بعد الاستقلال بعدد من قياداته وبعدد لابأس به من كوادره البارزة التي اسهمت في بناء الدولة المدنية الحديثة في جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وكان منفتحاً على ثقافات متعددة مختلطة نهل منها، وكان عهده شاهداً على حقبة مهمة في تاريخ لحج الخضراء ومن مآثره أنه اهدى قصره (الروضة) في الحوطة ليكون مقراً لكلية ناصر للعلوم الزراعية التي أصبحت نواة لجامعة عدن، ومن مآثر السلطنة العبدلية أنها وضعت أول دستور في الجزيرة العربية في وقت مبكر حيث لم تكن مثل هذه الافكار الليبرالية في وارد أحد من حكام المنطقة.
وقد حدث لي وانجذبت الى هذه الارض وتكونت بيني وبينها وبين اهلها السمر الطيبين أُلفة ومحبة في السنوات التي عملت فيها مدرساً في المدرسة المحسنية التي تخرج منها خيرة مثقفي لحج .... وهناك تنسمت عطر الحسيني وروعة أغاني القمندان، وجمعتني المناسبة في اروقتها بمناضلين منها من أجل الحرية والاستقلال، ثم جئتها مرة اخرى محافظاً ... وقد تركت لحج تأثيرها من ارثها الأدبي والثقافي والفني.
أما السلطان علي عبد الكريم –طيب الله ثراه- فلم التق به الا في عام 1970م في القاهرة صدفة عندما كنت في زيارة لمصر، ولكن قبل ذلك تعرفت اليه من خلال تاريخه وارثه الوطني وسيرته العامة التي كانت على كل لسان كسلطان متنور ذي نزعة وطنية ثم التقيته مرة اخرى في العام 1998م في مقر المركز العربي للدراسات الاستراتيجية في القاهرة، وفي كل تلك اللقاءات وجدته رجلاً متواضعاً يشع بالمحبة ولم يشعرني بانه نادم ابداً على مواقفه الوطنية.
كان متصالحاً مع نفسه وربما كان سعيداً لانه لعب دوراً في الحركة الوطنية والثقافية التي ادت الى الاستقلال.