د. عيدروس النقيب يكتب:
شرعيو إسطنبول!
مع اشتداد ضراوة الحرب في مأرب وسيطرة الجماعة الحوثية على معظم المديريات الغربية والشمالية والجنوبية للمحافظة وأغلب المعسكرات والنقاط الاستراتيجية فيها، ومحاولة هذه الفئة السلالية العنصرية احتلال المدينة والاستعداد لما بعدها، يشن شرعيو إسطنبول حملةً إعلامية تضليلية مسعورة على أوسع نطاق ضد التحالف العربي، وبالتحديد ضد المملكة العربية السعودية، متهمين إياها بالتقصير في الحسم مع الحوثيين وتخليص الشرعية منهم.
هناك حقيقتان مؤلمتان لكل من يحرص على انتصار شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي على الانقلاب والانقلابيين وتخليص اليمن واليمنيين من مخططات أتباع إيران، وهاتان الحقيقتان تقولان:
1. إن التحالف العربي ممثلا في الشقيقتين العربية السعودية والإمارات المتحدة هما من دشنتا التصدي للمشروع الانقلابي منذ 26 مارس 2015م حينما كان هؤلاء المتقولون إما يرددون الصرخة في ميدان السبعين، أو يتدبرون أقرب المنافذ للفرار بجلودهم مما يهددهم به التحالف الانقلابي، وان الشقيقتين قدمتا من الأرواح والدماء ومن العتاد والعدة ومن المال والتموين المادي واللوجستي، ما يكفي لخوض أكثر من حرب في آن واحد وهزيمة أكثر من جيش في نفس الوقت لو وجدتا الشريك الصادق والوفي للشراكة في هذه المواجهة، لكن الأزمة ليست في التحالف العربي بل في مكانٍ آخر وهذا ما سنتوقف عنده لاحقاً.
بيد أن السؤال هو ما الذي تبقى للتحالف العربي مما ينبغي أن يقدمه ولم يقدمه؟ خصوصا وأن من بين أتباع هؤلاءِ الشرعيين ومراكزهم (الحقوقية) والإعلامية من يرصد أرقاماً مزيفة ويقدم بيانات مغشوشة ويستنجد بها عند المنظمات الدولية، متحدثا عما يسميه بــ"جرائم التحالف العربي في حرب اليمن" وهو ما يعني أن هؤلاء النائحين، إما يريدون من التحالف العربي أن يقدم لهم المزيد من مواد الابتزاز والافتراء ليقدموها للمنظمات الدولية ويرفعوا منسوب نقاطهم لدى تلك المنظمات التي تعتمد كل قول يصل إليها حقاً كان أم باطلاً، أو أنهم يعانون من الشيزوفرينيا السياسية بحيث يدينون موقفا عندما لا يعجبهم ثم يطالبون به حينما تعييهم الحيلة.
2. إن هؤلاء المتباكين على مأرب وعلى الشرعية، والمتحاملين على دولتي السعودية والإمارات الشقيقتين، مستهدفين تحميلهما خيبات قادتهم وجيوشهم الوهمية، هؤلاء هم من سموا، ولا يزالون يسمون الدولتين الشقيقتين، بـ"دولتي الاحتلال"، وبمعنى آخر فإنهم يطلبون ممن يسمونهم بـ"المحتلين" أن يحرروهم من الحوثيين، فأين المنطق في ما يقولون وأين الحقيقة في هذه الأقاويل الخرقاء التي ينقض بعضها بعضاً؟
ولنأتِ للسؤال الأساسي في هذه القضية المحورية، وهو من السبب في ما يحصل في مأرب وكل ما جرى في مسارات الحرب المتعرجة منذ العام 2015م؟!
إن السبب الرئيسي في كل التقهقرات والتراجعات والانتكاسات والهزائم التي تعرضت لها القوات المحسوبة على الشرعية على أيدي أتباع الجماعة الحوثية المارقة المنفذة للمشروع الإيراني في جنوب غرب الجزيرة العربية، ليست السعودية ولا الإمارات، فالقوات السعودية ما تزال حتى لحظة كتابة هذا المنشور تواصل قصفها لمناطق انتشار الجماعة الحوثية، وتلاحق هؤلاء من تبة إلى أخرى ومن وادٍ إلى آخر ومن مخبأ إلى مخبأ.
ولن ينسى اليمنيون أن الدولتين قدمتا عشرات الشهداء، وفي مأرب نفسها غير الذين سقطوا في مناطق أخرى، ولم تمن السعودية ولا الإمارات على الشعب اليمني ولا على الشرعية في ما قدمتاه وما تقدمانه، في حين ظل شرعيو إسطنبول وأتباعهم، وما انفكوا، يطالبون بطرد قوات التحالف باعتبارها قوات احتلال.
إن سبب الانتكاسات والهزائم التي تتعرض لها قوات الشرعية منذ تأسيسها يكمن في أن من يقودون هذه القوات لا يفكرون بالنصر على العدو بقدر ما يفكرون بإطالة أمد الحرب ليواصلوا عمليات الإثراء على حساب دماء اليمنيين ومعاناتهم.
إن الوزير الذي يعترف بأن 70% من قواته أسماء وهمية، وبعدها بأسابيع تسقط بأيدي العدو أهم معسكراته وأهم نقاط تمركزه ومعها عشرات آلاف الكيلو مترات المربعة من الأرض، لا يفترض إقالته من منصبه بل كان ينبغي محاكمته وإنزال أقصى العقوبات بحقه، لكن عجائب المعادلات اليمنية تقوم على ترقية الفاشلين ومكافأة الخونة وتعزيز مواقع الفاسدين، وتلك هي الطامة الكبرى في حروب اليمن وكل مآسيها.
إن السبب في كل هزائم الشرعية، أن التحالف العربي اعتمد على شركاء إخلاصهم ليس لمشروع التحالف وإنما لمشاريع أعداء التحالف.
إن التحالف العربي يعتمد في مشروعه على حلفاء يصنفهم العالم كله بالجماعات الإرهابية، وهؤلاء الحلفاء يهيمنون على الشرعية تحت سمع ونظر التحالف العربي، ويمكن أن يكون ذلك هو الخطأ الوحيد الذي يمكن معاتبة التحالف عليه، وليس عدم هزيمة الحوثيين، لأن مهمة هزيمة الحوثيين مناطة باليمنيين وليس بسواهم.
إن السبب الرئيسي في ما تتعرض له مدينة مأرب تكمن في أن شرعيي إسطنبول، ومعهم كل المختطفين للشرعية، ينتظرون من جيوش دول التحالف (التي يسمونها قوات الاحتلال) أن تدخل اليمن وتقاتل نيابة عنهم وتدحر لهم الحوثيين وتحرر لهم الأرض وتسلمهم إياها بارداً مبرداً، ليعودوا إليها بعد الاسترخاء الذي بدأ منذ ست سنوات.
مأساة محافظة مأرب ومدينتها مثل كل المحافظات التي حررها أبناؤها الأبطال بدمائهم وأرواح أبنائهم وحموها من أنصار إيران وردوهم على أعقابهم خاسئين منذ العام 2015م، مأساة هؤلاء أنهم سلموا زمام محافظتهم لـ"الشرعيين الخاطفين" ليخون هؤلاء انتصار أبناء مأرب العظيم كما خانوا انتصار أبناء المحافظات الأخرى، ويسلموا نتائج هذا الانتصار للجماعة الحوثية، وهو ما كان نفس "الشرعيين الخاطفين"، وما يزالون، يريدونه أن يحصل مع ما تبقى من تعز ومحافظات الجنوب.
ذلك هو مشروع شرعيي اسطنبول وشركائهم في الداخل والخارج.