ماجد السامرائي يكتب:
أضرار استنساخ سياسة أوباما على العراقيين والعرب
لم يصل بايدن إلى البيت الأبيض لقوة شخصيته أو لتميّزه، ما أوصله استحضاره لمبادئ وسياسات أستاذه أوباما في استبعاد استخدام القوة العسكرية لحماية المصالح الإستراتيجية الأميركية وإدانة جريمة بوش الابن في احتلال العراق، مع أن بايدن أيّدها واضطر للاعتذار في ما بعد. العامل التكتيكي الآخر الذي ساعد بايدن هو سياسة ترامب الفوضوية رغم فعاليتها في محاصرة نظام طهران. لم يبذل جهداً في تشكيل طاقمه الحكومي والاستشاري وكانت العملية ببساطة تجديد توظيف فريق أوباما.
من المفيد استذكار حقائق كثيرة ظهرت حول أضرار سياسة أوباما على العراق والمنطقة من بينها ما كشفه مستشاره الأمني وكاتب خطاباته بن رودس في كتابه “العالم كما هو” الذي لم يترجم إلى حد الآن إلى اللغة العربية رغم أهميته بالتزامن مع نشر مذكرات أوباما “الأرض الموعودة” التي ترجمت إلى 24 لغة بينها العربية.
بن رودس فضح سياسات رئيسه في التعامل مع العرب، حيث قال إن أوباما يكرههم بشكل غريب وكان دائماً يردد أمام مستشاريه أن “العرب ليس عندهم مبدأ أو حضارة وأنهم متخلفون”، مقابل حديثه بود وإعجاب بحضارة إيران رغم أن مصادرها عربية إسلامية. خضع لابتزاز طهران بإعادتها إلى دور الشرطي في المنطقة وحصولها على 400 مليار دولار نقداً بعد التوقيع على كذبة الاتفاق النووي.
وقع بايدن في خطأ سيكلف سياسته الخارجية في المنطقة كثيراً حين تعّجل بتوظيف ملف مقتل الصحافي جمال خاشقجي كأداة ضغط على نظام الحكم في السعودية
من أمثلة الابتزاز الإيراني لأوباما أوضح بن رودس أن فوز إياد علاوي في انتخابات العراق عام 2010 أزعج الإيرانيين كثيراً، لذلك هددوا أوباما بوقف المفاوضات السرية إذا ما أصبح علاوي رئيساً للوزراء، فاستجاب لطلبهم بمنع علاوي من استكمال إجراءات الفوز وجّدد بدله لنوري المالكي. ثم غض الطرف عن رعاية طهران لتنظيم داعش، وقصة تسهيل خروج قادة تنظيم القاعدة من السجون العراقية أصبحت معروفة.
هل هناك مبررات لاستمرار تأثير العقدة الشخصية لأوباما في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط في استجداء بايدن مجدداً لرضى النظام الإيراني وغض الطرف عن انتهاكاته في العراق والسعودية ودول الخليج إضافة إلى داخل إيران؟
لا توجد مؤشرات على ما اعتقده كثر بأن بايدن سيتعاطى بعقلية متجددة مع ملف إيران والمنطقة على أساس معطيات وقائع السنوات الخمس الأخيرة، حيث أصبحت القواعد الأميركية في العراق مكشوفة ومهددة من قبل الميليشيات الولائية، إضافة إلى التصعيد في الهجمات الصاروخية ضد السعودية بواسطة وكلاء طهران الحوثيين.
ما حصل قبل أيام في الرد على هجمات الميليشيات الولائية ضد السفارة الأميركية وقاعدة قرب أربيل بضربة خجولة جاء اضطراريا لعدم تجاوز سياقات المؤسسة العسكرية الأميركية في الرد على أي تعرّض ضد الجنود الأميركيين وقواعدهم في العراق أو غيره. تم استهداف ناقلات أسلحة وهيكل لموقع ميليشياوي في منطقة نفوذ نفطي أميركي بدير الزور على الحدود العراقية – السورية.
مفيدة الإشارة إلى تعقيب المتحدث باسم البنتاغون على العملية بأنها “رسالة واضحة مفادها أن الرئيس بايدن سيحمي القوات الأميركية وقوات التحالف، تصرفنا بطريقة محسوبة من أجل تهدئة الأوضاع في شرق سوريا وفي العراق”. ترافق هذا الرد العسكري باتصال هاتفي مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لتنبيهه إلى مخاطر تعريض المصالح الأميركية للخطر، فاضطر الكاظمي إلى أن يبعث وزير خارجيته إلى طهران. واضح أن بايدن يريد تضييق محيط المناورة الإيرانية قبل الدخول في المفاوضات الجديدة.
سيواجه بايدن مشكلة جدّية في ملف الميليشيات في العراق إن انقاد إلى حالة الكره الشخصي لترامب وأغمض عينيه عن أن الرئيس السابق قد وضع إصبعه على الحل الصحيح لإذعان طهران وخطواته في إنهاء طغيان تلك الميليشيات وعبثها بأمن العراق.
وتبقى شعارات إعادة المؤسساتية إلى السياسة الخارجية الأميركية التي يُبشر بها بايدن مجرّد غطاء لتجديد سياسة إرضاء إيران وإطلاق يدها في المنطقة، في حين يبدأ حملة غير مبررة ضد السعودية، ليدفع بصورة غير مباشرة الحوثيين إلى تصعيد هجماتهم الصاروخية ضد الرياض.
من بين الحقائق المعلنة أخيراً، إضافة إلى مسلسل هجمات الحوثيين على الأراضي السعودية، ما ذكره مسؤول أميركي بأن طائرات مُسيّرة استهدفت القصر الملكي السعودي “اليمامة” في الرياض في 23 يناير الماضي انطلقت من الأراضي العراقية، ويبدو أن تداعيات هذا الحادث كانت من أسباب زيارة وزيري الخارجية والداخلية العراقيين للرياض الأسبوع الماضي. يبدو أن الكاظمي لا يجد سوى منطق المراضاة والتهدئة وقد فات وقتهما.
لا يختلف بايدن عن أوباما في تبرير مسلسل العدوان والتخريب الإيراني، لكنه يستل سيف حقوق الإنسان كورقة استهلكت منذ زمن لأهداف سياسية، وحملته المبرمجة ضد السعودية هذه الأيام تقع في إطار تكرار خطأ أوباما الجسيم حين فضّل إيران على العرب، وهناك حقائق كثيرة حول نشاط لوبي نظام ولي الفقيه داخل الولايات المتحدة الذي لم يتراجع خلال فترة حكم ترامب.
وقع بايدن في خطأ سيكلف سياسته الخارجية في المنطقة كثيراً حين تعّجل بتوظيف ملف مقتل الصحافي جمال خاشقجي كأداة ضغط على نظام الحكم في السعودية ووليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الموصوف بقيادته لحملة الانفتاح السعودية الجديدة، إلى جانب تعطيل صفقات السلاح للرياض وأبوظبي تحت مبررات عدم دعم الحرب على اليمن، مع أن هناك طرقاً للمساعدة على إيقافها في الضغط على طهران وليس الرياض أو الإمارات وحدهما.
نشرت وكالة المخابرات الأميركية تقريرها حول مقتل خاشقجي وكان الرأي العام العربي والعالمي يتوقع ذكر حقائق وأدلة مادية دامغة، لكن ما نشر عبارة عن استنتاجات وصفية أقرب إلى التقرير الصحافي منها إلى وقائع إدانة تقود إلى مقاطعة البيت الأبيض للأمير محمد بن سلمان رغم أنه هو القائد الفعلي للسعودية. كتب لي أحد الأصدقاء مُعلقا "نشر هذا التقرير شبيه بالأنبوبة التي عرضها وزير الخارجية الأميركي كولن باول أمام مجلس الأمن لاتهام العراق بالأسلحة البيولوجية وتبرير الاحتلال العسكري".
جريمة قتل خاشقجي لا يمكن تبريرها وأخَذ المجرمون نصيبهم بالقصاص وفق القوانين السعودية، والضغوط لتحسين ملف حقوق الإنسان في السعودية مُبررة، لكن تحويلها إلى حملة يشارك فيها الاتحاد الأوروبي لا يخرج عن التوظيف السياسي للضغط على السعودية إرضاء لطهران.
بن رودس فضح سياسات رئيسه في التعامل مع العرب، حيث قال إن أوباما يكرههم بشكل غريب وكان دائماً يردد أمام مستشاريه أن "العرب ليس عندهم مبدأ أو حضارة"
يتوجب على الرياض تحطيم القيد الأميركي والذهاب إلى خيار تنويع مصادر التسلح، وهي قادرة عليه، باتجاه روسيا والصين طالما امتلكت المال لذلك. بايدن يحاول تسويق آلية سياسية جديدة لنقل العلاقة السعودية – الأميركية من مستوى التحالف إلى الشراكة، وهي كذبة مستهلكة الغرض من تسويقها ترويج المبررات لمسلسل التخريب والعدوان الإيراني على العراق وسوريا ولبنان واليمن، ولإعادة طهران إلى صفقة الكذبة الكبيرة الاتفاق النووي.
يتساءل كثير من العراقيين لماذا لم يقدم بايدن الٌمدّعي معرفته بالملف العراقي على إشهار سيف حقوق الإنسان بوجه الميليشيات النافذة في العراق وأحزابها الحاكمة التي قتلت خلال سنة ونصف فقط المئات من الناشطين من الشباب وهم ليسوا من السنة لكي تُبرر الجرائم بدوافع طائفية من بينهم صحافيون وكتاب لا يقلون شأناً عن الصحافي السعودي خاشقجي، مثل الباحث هشام الهاشمي والكاتب الصحافي أحمد عبدالصمد وغيرهما العشرات، إضافة إلى تهديدات بالقتل لآخرين تمكنوا من الهرب.
تفصل بايدن مسافة طويلة لكي يكون قريباً من آمال العراقيين للخلاص من حكم الفاسدين وميليشياتهم في العراق الذين يجدون في إدارته فرصة لمواصلة مسلسل الفساد والقتل مثلما بدأ قبل ثمانية عشر عاماً. شعب العراق مقتنع بأنه لن يتوقع منه خيراً وأن لا طريق له سوى الاعتماد على نفسه. أما دول الخليج وفي مقدمتها السعودية عليها الانتقال من المداراة الدبلوماسية تحت ذرائع الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية مع واشنطن إلى خيارات جريئة في علاقات المصالح العليا تؤذي إدارة بايدن وتفضح تحالفها غير المشروع مع طهران.