واثق الجابري يكتب لـ(اليوم الثامن):

لو كان الفاسد رجلاً لقتلته

ما أن تَمُرُ بأحد  تقاطعات العاصمة، حتى يأتيك من يستجدي لقمة العيش طالباً المساعدة، يتوسلون رجالا ونساء وأطفال، وهناك غيرهم يمسحون زجاج السيارات، ويبيعون مختلف البضائع الرخيصة، وصاحب سيارة فارهة بجواره شقراء  مصطنعة يتركهم يمسحون زجاجه، ثم يقوم بغلق النوافذ ويرحل دون  أن يُعطيهم ديناراً.

يقول بعضهم أن هؤلاء النساء والأطفال تأتي بهم عصابات وتجمعهم نهاية اليوم، ويتسائل كيف لأزواج لا يملكون رغيف خبر أن ينجبوا هكذا عدد من الأطفال؟

يكاد ينكسر قلبك حينما ترى شابا، يتوسل من الصباح الباكر أو تحت المطر وشمس تموز، عن بضاعة لا يساوي ربحها رغيف خبز، وملامحهم تحكي أنهم من الجنوب.

 عندما تسأل أحدهم سيخبرك أن  كراج النهضة والعلاوي والباب الشرقي ومسطر العمالة ممتلئة بعمال من الجنوب والناصرية تحديداً، ويخبروك أنهم يسكنون فنادق العلاوي والبتاوين، حيث يكثر السكارى وتجار المخدرات وبائعات الهوى، تحيط بهم الصراصر والجرذان، وأسرار يعرفوا منها أين تذهب أموال العراق المنهوبة، وسوق الدعارة والليالي الحمراء، يعرفون  أن كل (جيكسارة) وفتاة حمراء شقراء نفخت وجهها وشفاهها وخلفياتها، من ثروة العراق  وحق شبابه.

يقولون نحن مدينة المليون عريف، الذين يساقون الى الحروب كأضاحي في مقدمة الصفوف وعلى حقول الألغام، ونحن أباة الضيم والمقابر الجماعية، ومن نقول كما يقول أمير المؤمنيين عليه السلام " لو كان الفقر رجلا لقتلته" و " عجبت  لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه" ودفعتنا الحاجة للبحث عن قاتلتنا وشهرنا سيوفنا أصوات إحتجاجية على الفساد والفقر والمظلومية والحرمان.. 

تاجر بقضيتنا نفس أولئك، الذين ساقونا للحروب العبثية، كي نكون حطبها لينعمون، ويدفعونا لحرق مديتنا كي يتقاسموا خيراتنا، وصدقناهم لأن العوز لم يترك في رؤوسنا عقولا، وقالوا الفساد  عند رؤوساء المؤسسات، ودفعونا لقطع الشوارع وتعطيل المدارس، وصوروا  لنا أن الفساد سينتهي بحرق بناية الدائرة الخدمية، وديوان المحافظة  وحتى صور الشهداء.. هناك من يدفعنا وتدفعنا المظلومية ووسائل الإعلام الصفراء، للخروج عن سلميتنا ليضيع حقنا، ويلتقطون من إحتجاجنا صورا تخالف الدين والقيم، حينما يضعون السكير ومن يضرب القوات الأمنية والمؤسسات الحكومية في طليعتنا.. 

صوروا لنا بأن التخلص من الفساد، بالتخلص من قيمنا وعشائرنا وعقائدنا وتاريخنا، وأنسونا أن كثير من الناس يشجعون الفاسد، حينما يقارنون النزيهة بكفافه وعفافه بالفاسد المترف، وضمن الناس من وقف إجلالا للفاسد وأجلسه في صدور المجالس.. 

شاهدنا بأعيننا كيف أن الفاجرات والداعرات، يخترقن المؤسسات ولا ينطبق عليهن قانون، وكيف يفترشن دولارات نهبها فاسد، عاجز عن أداء عمله الوظيفي والوطني والجنسي، فنثر أمواله على رؤوس المومسات تعويضا لنقصه.

 سيفنا الكلمة والتظاهر السلمي، ولكنهم دفعونا للإقتتال بيننا، ونضرب رجل أمن ذاد عن شرف وطننا، ونفخوا في الرؤوس أن الناصرية مدينة الشعراء والأدباء والحركات الثورية ولابد أن تكون في مقدمة المضحين، ثم بعدها ينعم الجبناء بالخيرات.. وما نزال نبحث عن الفاسد لنقتله، فلم نجد رجلاً يحمل قيماً وأخلاقاً يمارس الفساد، وقابلتنا جيوش من الفاسدين ترتبط بهم حواشي وبطانات، وحتى من الشعب من ناصرهم، ومتملقين ومستفيدين، وحتى من تضرر فرط بصوته الإنتخابي وفسح المجال أمام الفاسدين وبائعي الذمم للعودة للسلطة مرة آخرى.. 

نبحث عن الفاسد لو كان رجلاً لقتلناه، ولكنه جيش  توغل وتغلغل بين صفوفنا، ومن كان يطالب بالحق أو يدعيه أغرته وظيفة ودولار خارجي، وتمرد على قيمه وحقه الذي خرج لأجله.

 الفساد  ليس مفهوماً، إنما بيروقراطية وروتين، وقوانين تسمح بتفشيه ومحسوبيات، وخلل بتفسير النظام السياسي والديمقراطية، ومشاريع بلا جدوى وهدر للمال العام، والفاسد يمتلك المال والسلاح والجمهور والقرار، يمتلك القوة الداخلية والإعلام والدعم الخارجي، الفاسد ليته رجل فنقتله، ولكنه عوامل ترتبط ببعضها لا تتعلق بأشخاص فحسب، والفساد وباء بحاجة الى قيم وثوابت وإلتزام قانون وإخلاقي تجاه المسؤولية، ووعي جمعي يتحرك لتقدير المصلحة العامة لكي يكون حافز لكل الشعب بتحمل المسؤولية، والفاسد لا يموت بحرق مؤسسة أو تعطيل عمل، تقتليه وحدة المشاريع ووضوح الأهداف، وتقدير أن المصلحة الوطنية تتحقق بحوار شامل يقبل بها الكل بالكل، وحلول وسط يقبلها الجميع، ولا أحد ينكر وجود أيدلوجيات مختلفة ومصالح داخلية وخارجية متلاطمة، وحاجة فعلية لشباب  يبحثون عن لقمة عيش بكرامة، وأن الواقع تغير بعد تشرين، وما بعده لابد من دراسته بعناية، وإلا سيغرق مركب  فيه جميع العراقيين.