عدنان برجي يكتب:

تقطيع الأوصال يرفع الدولار ويحمي الطبقة الحاكمة

بذريعة ارتفاع سعر الدولار على المنصّات السوداء بقيمة عشرة بالمئة، عادت بعض المجموعات الى قطع الطرقات الرئيسية التي تربط المحافظات ببيروت، اضافة الى قطع بعض طرقات العاصمة بين الفينة والأخرى.

 

بغض النظر عما اذا كان قطع الطرقات يتم نتيجة ارتفاع سعر الدولار، ام ان الارتفاع وسيلة لتبرير قطعها، فالسؤال الذي يطرح نفسه، هل هذا الاسلوب ناجعا للجم الارتفاع ومحاصرة الطبقة الحاكمة للبنان؟.

 

بعيدا عن التجاذبات السياسية، وأهداف المجموعات التي انضوت، قناعة او استغلالا، تحت لواء انتفاضة 17 تشرين الشعبية، فإننا نعتقد جازمين ان اسلوب قطع الطرقات أساء للانتفاضة وجعل الناس بغالبيتهم يبتعدون عنها، ويستنكفون عن المشاركة في فعالياتها. وذلك للأسباب التالية:

 

1- وطنيًا: ان قطع الطرقات يذّكر الًلبنانيّين بالحقبة السوداء اثناء الحرب الأهليّة، حيث كان القتل على الهوية من بعض المجموعات العسكرية، ولا زالت جموع مهجرّة من مناطقها منذ 45 عامًا.

 

2- اقتصاديًا: من المعروف في بديهيًات علم الاقتصاد، ان شل الحركة يُلحق الخسائر بالمواطنين، فالمنتج لا يستطيع تصريف انتاجه، والمستهلك لا يستطيع الذهاب الى عمله لتأمين ثمن قوت عياله، وبالتالي يتدنى الناتج القومي ويزيد الفقر.

 

3- أمنيًا: ان قطع الطرقات يؤدّي حكمًا الى ارهاق القوى العسكريّة والأمنيّة، مع علم " قاطعي الطرق" ان عناصر هذه المؤسّسات يعانون تدّني قيمة رواتبهم، بل يعانون الجوع. فبأي حق نزيد من أرهاقهم وتعبهم؟ الا تكفهم الخلايا النائمة، سواء تلك المرتبطة بالعدو الصهيوني، او المرتبطة بالتطرف والارهاب؟.

 

4- صحيًا: يؤدي قطع الطرقات الى الاحتكاك بين مجموعات ومواطنين، مما يرفع من نسبة انتشار وباء كورونا اللعين. فكيف يوفّق" قاطعو الطرق" بين رفضهم للقرارات الحكومية بالاقفال العام وسعيهم الدؤوب الى الاختلاط الواسع حتى اثناء الاقفال؟.

 

5- خسارة الأرواح البشريّة وتكبير الأحقاد الشخصيّة: فعند اقفال الطرقات يجري التصادم بين القاطعين وبين الذاهبين الى عملهم، او العائدين منه الى منازلهم. وهناك حالات صحيّة طارئة، ومواطنون مرضى، قد يكونون في طريقهم الى المستشفى او عيادة الطبيب، وهناك مسافرون لن يتأخر اقلاع طائرتهم بانتظار ان يُفرج" القاطع " عن الطريق. كل ذلك يؤدّي الى الانفعال والى المشاكل. ألم نرَ ضحايا يسقطون على الطرقات سابقًا؟ ألم نشهد بالأمس سقوط ضحيّتين في حادث سير مؤلم سببه قطع الطريق بواسطة شاحنة، مع علم القاطعين ان لا كهرباء تنير الطرقات، ولا إشارات تنبّه السائقين عما ينتظرهم على بعد امتار؟.

 

6- عدم تأثر الطبقة الحاكمة بقطع الطرقات بل على العكس يأخذون ذلك سبيلا لرمي الاتهامات في وجه بعضهم البعض، ولشد العصب الطائفي والمذهبي والمناطقي.

 

7- بهذا الإسلوب يتعمق ابتعاد الناس عن الانتفاضة، بل ان ذلك سبيلا ليأسهم وإحباطهم وتلك خدمة جليلة لأركان الطبقة الحاكمة المستأثرة بالسلطة والمال في آ ن.

 

8- انها وسيلة لرفع سعر الدولار وليس تخفيضه، فكلما قل الانتاج، وتدنت ساعات العمل، كلما عانى الاقتصاد، وضعفت القيمة الشرائية  للعملة الوطنية.

 

هل هناك بديل عن هذا الاسلوب الذي يضعف الانتفاضة ويحفف من العبء على كاهل الطبقة الحاكمة؟.* نعم هناك اكثر من بديل:

 

تحديد برنامج مطلبي يمكن تحقيقه خلال فترة معينة من الزمن:

 

1- الإصرار على قانون انتخاب يتلاءم مع الدستور، ويمنع التجييش الطائفي والمذهبي، ويضع حدا لسلطة المال، وينتج مجلسًا نيابيًا غير طائفي، واقرار قانون لإنشاء مجلس شيوخ للطوائف.

 

2- اصدار قانون يُلزم المصارف بدفع أموال المودعين بعملة الوديعة، وان كانت بسقف شهري محدّد، فذلك يمنع تهافت الناس على شراء الدولار، ويقلّل من الطلب عليه. وحين يتراجع الطلب تنخفض القيمة.

 

3- السعي لانشاء صندوق لبناني، وآخر عربي، مخصصان لدعم الجيش الوطني والقوى الأمنية باعتبارهم العامود الفقري للسلم الأهلي.

 

4- الإصرار على الانتخابات النيابيّة في موعدها، منعًا للفراغ في اي مؤسسة دستوريّة.

 

5- الإصرار على تشكيل حكومة تنال ثقة الشعب، وليس ثقة المجلس النيابي فقط.

 

6- فك ارتباط الجمعيّات بالسفارات والقنصليّات.

 

7- منع التمويل عن وسائل الإعلام التي تؤجر هواءها للأطراف المتنازعة من منطلقات سياسيّة وتمنع الوطنيّين المستقلّين من التعبير عن آرائهم.

 

8- اعتماد اسلوب التحرك السلمي، العاقل والجامع، ونبذ المخلّين بالأمن وتشديد العقوبات على الذين يستبيحون الأملاك العامة والخاصة.

 

أخيرًا، ان وطننا بحاجة اليوم الى الاستقرار لاستقطاب أبنائه أولا ، واستقطاب محبّيه ثانيا، كما ان كل مواطن لبناني بحاجة للبنانيّين الآخرين.

 

ان قطع الأوصال بين اللبنانيّين انما هو سبيل لتقسيم لبنان وتفتيته، وقد شهدنا فشل المشاريع التقسيميّة بين العامين 1975 و1989 فلماذا نعيد الكرّة؟ ألم تعلمنا التجارب؟.