د. عيدروس النقيب يكتب:
المجلس الانتقالي وحكومة المناصفة (رأيٌ شخصي)
في ضوء منشوري السابق بعنوان "عدن . . .قبل أن يندلع الحريق" والذي تعرضت فيه لما يعانيه المواطنون في عدن ومدن الجنوب بسبب رداءة الخدمات وانهيارها، وتلاشي قيمة العملة وارتفاع الأسعار فضلا عن انقطاع صرف مرتبات الموظفين الحكوميين، في ضوء ذلك المنشور تلقيت العديد من الملاحظات والانتقادات والتساؤلات فضلاً عن التعليقات التي تؤيد ما تعرضت له.
كثير من التعليقات يتساءل أصحابها: أليس المجلس الانتقالي الجنوبي جزءً من حكومة المناصفة؟ أليس شريكاُ في المسؤولية عما يعانيه المواطنون في مناطق الجنوب؟ ولماذا لا يعلن وزراء الانتقالي انسحابهم من الحكومة إذا كان المجلس يرى أنها تتسبب في تعذيب المواطنين ومضاعفة عذاباتهم ؟؟
والحقيقة أن في مثل هذه التساؤلات شيئاً من الوجاهة إذا ما أخذناها بحسن النية البعيدة عن مكايدات الساسة وحذلقات المتعابثين، ومن أجل الرد على هذه التساؤلات يمكن الإشارة إلى الحقائق التالية:
- إن المجلس الانتقالي قبل أن يكون شريكاً في حكومة المناصفة إنما هو جزءً من شعب الجنوب، ومعبرٌ سياسيٌ عن حقوق المواطنين الجنوبيين ومطالبهم وتطلعاتهم، وعندما يصرخ المواطنون معبرين عن غضبهم واستيائهم من حدة ما يعانون، لن يكن المجلس الانتقالي إلا بجانبهم مؤيداً لتطلعاتهم ومطالبهم المشروعة والعادلة.
- إن المجلس الانتقالي الجنوبي شريكٌ في حكومة المناصفة لكنه ليس كل الحكومة وهذا بطبيعة الحال لا يعفي وزراء المجلس مثل كل زملائهم الوزراء الجنوبيين، وبقية الوزراء من المسؤولية عما يتعرض لها أبناء الجنوب من عذابات.
- إن حكومة المناصفة هي حكومة خدمات ولا شيء غير الخدمات وإن فشلها في الخدمات يعني رسوبها الكلي في أي امتحان آخر.
- إن تشكيل حكومة المناصفة جاء بناء على اتفاق أكبر يشمل معالجة الملفات الأمنية والاقتصادية والمالية وطبعاً الخدمية والإدارية والسياسية، ولا يمكن القول أن اتفاق الرياض قد نفذ ما لم يستكمل تنفيذ بقية الملحقات، وأهمها المتعلق بمحاربة الفساد وإنشاء المجلس الاقتصادي وتفعيل القضاء واستكمال تعيين المحافظين ومدراء الأمن وإيراد كل العائدات المالية للبلد إلى البنك المركزي في عدن لتكون تحت تصرف الحكومة ولا أحد سواها.
- إن اتفاق الرياض لا يجبر المجلس الانتقالي الجنوبي على المساهمة في تجويع الشعب وتركيعه وحرمانه من الخدمات الأساسية (الصحية والبلدية والتعليمية) والأمنية ومرتبات الموظفين، وغيرها من الحقوق التي كان شعب الجنوب يحصل عليها كاملةً غير منقوصة وبأيسر السبل، حتى صبيحة 22 مايو 1990م وفي مواعيدها دونما انقطاع أو تأجيل.
- إن المجلس الانتقالي الجنوبي جزء من تحالف عريض يضم إلى جانب سلطة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي وحلفائها السياسيين، دول التحالف العربي، وإذ نقدر عاليا الجهود التي يبذلها الأشقاء في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، فإننا لا بد أن نصارحهم بأن عدم معالجة المسائل العالقة، وبالذات قضايا المياه والكهرباء والصحة والتعليم ومرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين بما في ذلك المتقاعدين، وعدم استكمال تنفيذ بنود اتفاق الرياض كاملةً، قد يجبرالمجلس الانتقالي إلى البحث عن خيارات أخرى، حتى لا يغدو جزءً من جهاز الفساد والعقاب الجماعي وأدوات تعذيب المواطنين الجنوبيين الذين تضاعفت معاناتهم بعد تشكيل الحكومة.
هذه الأدوات التي تتولى تعذيب وتجويع وحصار أبناء عدن ومحافظات الجنوب لا تختزل في حكومة المناصفة، رئيساً ووزراءً، بل تشمل قيادات حزبية وسياسية مهاجرة منذ أكثر من ست سنوات تتحكم في صناعة القرار السياسي ولا يشعر أفرادها بمعاناة المواطنين بل ويستعذبون استمرار هذه المعاناة، ويسخرونها لتحقيق أهدافهم السياسية المعلنة والخفية، ومن غير شك أنهم ينتظرون اللحظة التي يرفع فيها الشعب الجنوبي الرأية البيضاء، كما يتوهمون.
اتفاق الرياض ليس زواجاً كاثوليكياً حتى يتحول إلى سوط لجلد المواطنين الجنوبيين وإجبارهم على الخضوع لشلة الفساد والطغيان والاستئساد والتنمر، فنجاحه مرهون بتلبية متطلبات حياة الناس وفشله في هذه المهمة يعني فشل الحزمة التي يتضمنها كاملةً ، وهو في هذه الحالة لن يكون فشلاً للذين وقعوا عليه بل أيضاً للذين رعوه وساهموا في إعداده، وأقنعوا ممثلي الجنوب على تقديم التنازلات في سبيل تحقيق مقتضياته الأساسية، وهو (أي الاتفاق) في الأول والأخير لا يجبر المواطنين الجنوبيين على تحمل المجاعة والإفقار والأوبئة والإرهاب والظلام والتلوث وغياب الأمن والعدل وحضور اللادولة.
وأخيراً
كرامة الناس ومعيشتهم وأمانهم وصون حياتهم اعتبارات ومعاني مقدسة تفوق كل الاتفاقات والمواثيق والإعلانات والمعاهدات، وأي من هذه النصوص الورقية لا تساوي الحبر الذي كتبت به ما لم تحترم تلك الاعبارات والمعاني.