عباس البخاتي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الكتلة العابرة أمر بين أمرين

بعد تحديد موعد الانتخابات التشريعية في تشرين الأول من العام الحالي، عمدت بعض الجهات السياسية لمخاطبة جمهورها بطريقة غير مباشرة حول ما يجب عليهم القيام به في حملة إنتخابية مبكرة..
بغض النظر عن إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها أو تأجيلها، فالملاحظ ان معظم الكتل السياسية أعدت العدة لتلك المنافسة وكل حسب آلياته وقواعده الجماهيرية وطريقة تسويق "مشروعه الإنتخابي" وطرقه المعتمدة لإقناع الناخبين من خارج تنظيماته الحزبية.
على ما يبدو أن كثيرا من المسميات لا هم لها سوى خوض الانتخابات، والظفر بنتائج تمكنها من البقاء، ضمن المعادلة السياسية والإمساك بعرى المكر السياسي بغية الوصول إلى سدة الحكم،  دون الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي طرأت على الساحة الدولية والإقليمية وموقف العراق منها وموقعه ضمن حلبة الصراع الدائر في المنطقة وتعقيد العلاقات الدولية، وعدم الإهتمام لتأسيس شبكة مصالح، تصب في صالح الأمن القومي لكل طرف.
كثير من الكتل السياسية بدأت دعايتها الإنتخابية مبكرا، عن طريق مخاطبة الرأي العام تارة والهمس في أذن الجمهور تارة أخرى، من قبيل تصريح البعض ان الشعور السائد لدى مناصريه وأتباعه_ انهم لا يقبلون بأقل من رئاسة الوزراء_ نصيبا من الكعكة التي ستطرح على طاولة تقسيم المكاسب والمنافع، فيما يعتمد غيرهم على إستثمار دماء الشهداء وإتخاذها وسيلة لإجتذاب الناخبين بضرورة الحفاظ على المنجز الأمنى، الذي كانت تلك الدماء ثمنا لتحقيقه،  وان الخطر لازال يهدد العراق ومقدساته!
الهالة التي حاول البعض تصويرها عن الحراك الشعبي او ما يعرف "بالتشرينيين" يبدو انها زوبعة في فنجان، بلحاظ عدم إتفاق الساحات على موقف موحد، يصار من خلاله لتقديم فريق قادر على تحقيق، أمنيات ومطالب المتظاهرين وبنفس الوقت لديه الخبرة الكافية، لتجاوز الأخطاء التي وقعت فيها الحكومات المتعاقبة، وتجاوز مرحلة الإخفاق في تقديم الخدمات ومحاربة الفساد وتوفير الأمن.
الذي حصل في واقع الساحات عكس ما أشير اليه تماما، اذ كانت الانقسامات حاضرة وتعدد الأقطاب ومحاولة الهيمنة على الحراك الشعبي، ومصادرة قراره وإختزاله بعناوين محددة دون الاكتراث لتوجيهات المرجعية الدينية وعدم إستثمار دعمها للحراك السلمي الذي شهده البلد.
تلك المعطيات  أصبحت واقعا شاخصا وممتدا، على مساحة معينة من الجغرافية ومؤثرا فيها، وسط غياب الوعي السياسي لدى الطبقة المتصدية ومحاولة تغييبه ومصادرته من ذهنية المواطن العادي، وعليه لابد أن تكون لغة الاستشراف حاضرة لتشخيص خطورة المستقبل القريب وضرورة تبني الموقف الذي يمكن ان يكون بديلا لإنقاذ البلد مما يراد له.
أغلب الفعاليات التي لمحت عن حراكها واستعدادها للمرحلة المقبلة، تتحدث بلغة لا تتجاوز مساحة المكون الواحد الأمر الذي يحفز بقية المكونات، على التمترس خلف المسمى المذهبي والقومي، وهذا الامر سينسف كل الجهود التي بذلت للانصهار ببوتقة الوطن ويعيد الوضع للمربع الأول، فلابد أن تكون هنالك قراءة موضوعية للمشهد المقبل، والتعامل مع الحال بالواقعية، التي تحتم على المتصدي الانفتاح على الشريك الآخر، سواء كان مذهبيا او قوميا، شريطة الانسجام بالرؤية مع من ينادي بضرورة التحرك على مساحة الوطن الأوسع، وبهذا نكون قد وصلنا الى مشارف قارب النجاة، الذي يروق لمن يتبنى تلك الفكرة ان يسميها مشروع الكتلة العابرة، والتي يرى دعاتها أنها تمثل حلا وسطا بين منهجين، أحدهما مؤثر بقوة الدعم الإقليمي الذي يرى الأولوية لمصالحه، وآخر مختبيء خلف عنوانه الطائفي والقومي، ولا يرى في الشريك المنافس الا خصما لدودا لا بد من تحجيمه.