واثق الجابري يكتب لـ(اليوم الثامن):
الشيعة.. ومحنة الهوية الوطنية
الكتابة والحديث أحياناً أن لم يكن مجملاً فهو جزء من سياسية، وهناك فرق بين ما يكتبه العقلاء لإنهاء الإختلافات، وهناك من الساسة من تَمكن من الكتابة والإعلام، ليحول الواقع الى لغز حتى لا يرى أحدنا أسباب الضرر.
الحديث والكتابة تعبير إجمالي وجمالي، يرسم طموح المعنى والمقصد والهدف، وعند إدراك القدرة نعرف فائدة الأشياء، من معرفة أنفسنا وتقاليدنا وثقافتنا وجغرافية أرضنا، وطموحنا المعقول، الذي لا يأخذه الأنا الواضح والضمني، ونتحرر عن ما حولنا الى قيمة تفكير في محيطنا الجماعي، بإعتبار الإنتماء الجماعي ثقافة وقصص تستذكر تاريخنا وتداخلاتنا الجيوسياسية، التي تكشف إندماج العرقيات المتخطية للحدود القومية والطائفية والقبلية، ويكون نشاطنا وناشطنا؛ إمتدادا لأقوالنا وأفعالنا، ويجعلنا حديثنا الى إيجابين أكثر مما نحن إنتقاديين.
نتحدث عن الهوية الوطنية، التي لا تمنح بمجرد بطاقة من دائرة النفوس، أو وثيقة نسلتم بها حصة غذائية، أو ورقة جباية يمكن أن ندفعها لأننا ضمن حدود الوطن وتنطبق علينا قوانينه..
هويتنا أن نملك بيتاً وجارا نألفه ومحلة نعيش تفاصيلها لنا مالها وعلينا ماعليها، لا يفرقنا عن أحد فيها موقع حكومي أو حزبي أو طائفة أو قومية أو ثروة مادية، فيها المساواة والعدالة الإجتماعية تنطبق على كل مواطنيها، دون تأثير للطبقة والعرقية والقرب والبعد والإختلاف بالرأي مع جهة ما كانت سياسية أو حكومية..
محلتنا في وطن كبير فيه من الشواهد والمشاهد، التي لا يتجاوزها التاريخ ولا تتناسى تضحياته، التي تدفعنا للتضحية والعمل الجماعي، لا تنسى بحديث إعلامي إنتقادي، ولا حديث أبتعد عن الحقيقة لأسباب ضيقة فوق المصلحة العليا.
يتحدث مفهوم الهوية الوطنية عن أرض وطن وأهميتها، والإعتزاز بها وزيادة الرغبة بالإهتمام بها وتطويرها، ومساعدة الفرد في مواجهة التحديات، وتجميع الشتات وخلق روح التعاون بين الأفراد، وتتحول فيه كل هوية الى مشروع سياسي وإجتماعي بولاء الوطن دون تقديم الإنتماء المذهبي على الهوية الوطنية..
أثبتت الهوية الشيعية مثلاً مصداقا واضحا للهوية الوطنية، وأهم مصداق ما قدمه المرجع الأعلى السيد السيستاني بإطلاق فتواه للدفاع عن مناطق عراقية لم يحدد قوميتها أو طائفيتها، وحديثه مع قداسة البابا بلسان عراقي محايد، وذكره المسحيين وبقية المكونات سواسية، وبمدلولات أو ضحها المرجع أن الحفاظ على الهوية بالإعتدال والتسامح، ولأنه الشيعة أغلبية فلابد لهم أن يكونوا حاضنة الإعتدال وذوي هوية شيعية تعني الوطنية والخيمة قبل الهوية الطائفية، ويمثل عمق مدرسة النجف، بتاريخها المؤثر في ماضي العراق وحاضره ومستقبله.
إن الوطنية الشيعية تجسد، من خلال ممارسات حكام وقوى سياسية ومجتمعية وأفراد، وعبورهم من النفوذ المذهبي الى الدور الوطني، لأنهم يمثلون غالبية السكان وأخ أكبر لبقية المكونات، ودورهم بأن يكونوا خيمة تضم كل أبناء الوطن، والخروج من الطائفية لا يعني الخروج من الطائفة، أو التمرد على الثوابت المذهبية، وبذلك هويتهم الوطنية بالإنتقال الى الفضاء الوطني، والإبتعاد عن أصطدام الهويات الخاصة بالعامة، والإيمان بأن الإندماج الوطني يحمي الإنتماء الروحي والعقائدي، ودولة جامعة تحفظ خصوصية الجماعة لضمان سلامة ابناء الوطن وهي من ضمنهم، وتصان حقوق المواطنين بالهوية الجماعة التي يشترك فيها كل الشركاء، وكذلك ينطبق على بقية المكونات، والأحزاب ستحظى بالأمان عندما يكون الوطن موحداً وتكون الطوائف بإستقرار، ولا تعتمد على نفوذها بل تستقوي بشراكتها.
محنة المكونات العراقية أنها تحسب على بلدان آخرى، وتغلب سياسية الإنطواء التي يتحمل جزء منها ذلك الخارج، وشيعة العراق مشمولون.. على الرغم من أنهم أغلبية في بلدانهم، والسنة على السعودية والعرب، والتركمان على تركيا، والمسحيين على دول أوربية، وبذلك تغلب تعامل السياسة وفق الطائفة على الإنتماء الوطني، وغاب الإنفتاح الوطني على بقية المكونات..
إن تحول الشيعة الى أغلبية وطنية سيكونون أقلية مذهبية عربية، وحجم المكونات الأخرى أيضا بحجم الإرتابط مع الدول الخارجية، ويتعطل الإندماج الوطني، وكإنما ترسم حدود داخل الوطن الواحد، لتصبح الأغلبية أقلية ضمن محيطها، ويخالفون تاريخ بلد وتراثه الثقافي والإجتماعي، وهنا فرق بين النفوذ المذهبي، والإرتباط العقائدي، فالأول يجعل لكل واجهة خلفيات، والعقائد لا تتأثر أن كان الدور وطنيا، وبذلك يكون نشاطنا وناشطنا وساستنا ينطلقون من مفهوم الهوية الوطنية، التي تجمع التصنيفات المكوناتية والعرقية والمذهبية.