د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

شعب الجنوب شعب شجاع وصعب المراس .. ولكن !!

نعم شعب شجاع ولكن الشجاعة وحدها لا تكفي بل تحتاج إلى العقل والدهاء في هذا الزمن الأغبر ..الذي كثرت فيها أساليب الخداع والمكر والدسائس التي يعجز عنها إبليس الرجيم !!


عندما يواجه الوطن الواحد الحروب والأزمات في أي زمان أو مكان يتوحد أبناؤه لمقاومة الغزاة ويتسابق شبابه وشيوخه نساؤه ورجاله في مقاومة العدوان ويبذلون الغالي والنفيس في صده ورده وتتوحد الأهداف والرؤى لدحره وهذا ما حدث في الجنوب تحديدا عند الغزو الحوثي للجنوب عام 2015م ..وعندما تدخل التحالف العربي وتم دحر العدوان وبعد انتهاء غبار المعركة تباينت الرؤى والمواقف بين أبناء الجنوب وتزايد الانقسام وتوسعت دائرة الخلافات وضاعت البوصلة لدى الكثيرين منهم... وفي نشوة الإحساس بالنصر أخذ كل طرف يدعي أنه لولاه لما تحقق النصر للوطن ..

ومن هنا بدأ الانقسام والتشرذم وتفتت اللحمة الجنوبية وأخذت الدائرة تضيق وتتقوقع داخل شرنقة القبيلة أو الأحزاب السياسية وأخذ كل طرف يتخندق داخلها بل ويحرض أتباعه للنزال في معارك ضد من يختلف معهم حتى أصبح حلفاء الأمس أعداء اليوم و يجب التخلص منهم .!! بهذه العقلية الإقصائية المدمرة كان الجنوب يدار منذ الاستقلال وحتى الأمس القريب ..والتاريخ يعيد نفسه ولكنهم لا يقرؤون أحداثه ولا يعتبرون ولا يتعظون ، والفارق في ذلك كله أن حكام الجنوب قبل الاستقلال كانوا أكثر رحمة وعقلانية وواقعية ممن حكموا بعدهم منذ عام 1967م ليس هذا فحسب بل ألغوا تاريخ الجنوب كله ..واستبدلوه بفكر شمولي قمعي دمر النسيج الاجتماعي وتركيبته بالكامل وتهيأ لهم أنهم بالعنف سيخضعون شعب الجنوب بالقتل والقمع وعندما صبوا حقدهم بالكامل على أهل الجنوب و دمروا كل شيء وعندما لم يجدوا ما يدمروه عادوا لتدمير بعضهم بعضا عام 1986م !!ّ


ثم ذهبت الفرقة الناجية من الحزب ودخلت في نفق الوحدة اعتقادا منها أنها ستكون الشريك الأمثل في الوحدة الذي يمثل الجنوب بكامله هذا جنوبا!!
أما شمالا فأن حكامه منذ عهد الأئمة وحتى قيام الثورة عام 1962م فقد كانوا يختلفون عن حكام الجنوب من السلاطين السابقين اختلافا جذريا لأن الأئمة حكموا حكما دمويا مركزيا قويا واستطاعوا إخضاع كافة القبائل الشمالية ودمج اليمن شمالا وصهره في بوتقة الدولة والبلد الواحد ،وكان الإمام لا يقدر أكبر شيخ شمالي سوى بإرسال عكفي واحد يحضره إليه !!


بينما الجنوب نجده تاريخيا لم يتوحد حتى مع نفسه .. وكان عبارة عن سلطنات وإمارات ومشيخات قبلية تحارب بعضها بعضا ..ولم تقم دولة موحدة في الجنوب طوعية حتى عندما شكلت بريطانيا اتحاد الجنوب العربي الذي كان يتكون من أكثر من 20 سلطنة وإمارة ورغم ذلك كله رفضت سلطنات الكثيري والقعيطي والمهره الدخول في الاتحاد وبقيت خارجه حتى العام 1967م ،ولم تتفق الدولة الاتحادية على رئيس للاتحاد حتى أقنعتهم بريطانيا بأن رئاسة الاتحاد ستكون دورية بالتساوي فيما بينهم ..وهكذا وفي ظل متغيرات عالمية بعد معركة السويس
عام 1956م وبروز القوى الجديدة الكبرى ممثلة في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تضاءل الدور الفرنسي والبريطاني في الساحة الدولية !!
وأقول بصدق وبصراحة وهذا ليس تحيزا مني ولكنها الحقيقة وهي : أن شعب الجنوب شعب حي صعب المراس ..شعب شجاع ولديه محاربون أشداء صادقون عند النزال ولكن عيبهم الوحيد أن كلمتهم ليست موحدة ولا يجيدون المناورة بينما خصومهم الشماليون يجيدون المراوغة والمناورة ولديهم القدرة على تبديل مواقفهم كما يبدلون ثيابهم وقد نقلوا بعض عاداتهم السيئة تلك إلى بعض قبائل الجنوب لتفريقهم وإضعاف لحمتهم وكسر شوكتهم والسيطرة على أرضهم وثرواتهم وهذا هو سر تفوقهم على الجنوبيين ، والسؤال هو : متى يستفيق شعب الجنوب من غفلته هذه حتى يثبتوا لدول الجوار أنهم رجال دولة يستطيعون استعادتها وإدارتها من جديد!!
د. علوي عمر بن فريد .