يمكن النظر إلى ما يجري من تطورات في الشرق الأوسط علي أنها باتت جزءاً من إطار جديد يتشكل في الإقليم، ومن ذلك البدء في إجراء مصالحات عربية عربية، وهو ما تعبر عنه مسارات العلاقات الراهنة بين كل من مصر ودول الخليج من جانب وقطر من جانب آخر إضافة للتحرك التركي تجاه مصر، والتغييرات المرحلية في الملف الفلسطيني وتنفيذ الاستحقاقات الليبية، إضافة للحديث عن أنماط جديدة لعلاقات الدول العربية، مع النطاق الشرق أوسطي، حيث تبدو المنطقة مقبلة علي تغييرات أخري مهمة ستحددها مصالح الدول المركزية في النطاق العربي، والتي تضم السعودية ومصر والإمارات.
وفي حال توصلت الدول العربية لمصالحة شاملة عربياً – ستتحجم التدخلات التركية والإيرانية في النطاق العربي والماسة بأمن المنطقة بأكملها.
المؤكد أيضاً أن استئناف الاتصالات المصرية التركية لن يعني فقط تصفير المشكلات، بل سيؤدي لمزيد من التفاهمات في القضايا العربية وعلى رأسها الملف الليبي والملف السوري، إضافة للصراع الحقيقي في إقليم شرق المتوسط، ما سيعني أن هناك تغييرات مقبلة ستتطلب تغيير معادلات المشهد السياسي الراهن، حيث ستسعي مصر لمقاربات ثنائية وعربية وإقليمية، بهدف حلحلة المشهد السياسي في الإقليم، والمرتبط بحالة الأزمة الهيكلية الراهنة في المنطقة، وصراع القوي الإقليمية والدولية.
وفي ظل استمرار التدخلات الخارجية في شؤون الإقليم، فإن أي تطوير في مسار العلاقات العربية العربية والعربية الإقليمية سيؤدي لمزيد من التوافقات، خاصة أن الإقليم سيحتاج إلى إجراء ترتيبات جديدة، وبالتالي فإن القوي العربية المركزية ستقوم بدورها في إطار مصالح حقيقية، ترتبط بموقف كل طرف، ومسعاه لتحقيق أفضل أهدافه الكبرى. وفي هذا الإطار سيكون أمام الدول العربية مسارات متعددة منها المسار التحولي الهيكلي، والذي سيمتد في اتجاه الدول الإقليمية، وتأثيراتها في التعامل مع الملفات الأكثر طرحاً، وهو ما سيجري في الملفات الليبية والسورية واليمينية على أساس أن التحولات الراهنة إقليمياً، ستتم في كل الأحوال، وعبر موقف دولي مهم لن يقتصر فقط علي الطرف الدولي، خاصة أن الحفاظ على المصالح الكبرى للدول العربية سيتطلب إجراء تسويات جديدة، وهو ما سينطبق على الحالة المصرية وتعاملها مع تركيا.
وسيمتد أيضاً إلى إعادة تأطير للعلاقات العربية الإسرائيلية، وهو ما يجري في الوقت الراهن. وقد لوحظ تطور العلاقات المصرية- الإسرائيلية بعد سنوات من التجمد، حيث جرت لقاءات واتصالات رسمية في مجال الاستثمار وأمن الطاقة، والرسالة أن الدول العربية الرئيسية تعيد بناء منظومتها، وفقاً للتطورات الجارية في الإقليم، وترتبط بمواجهة حالة التغلغل الإقليمي لبعض الدول، ومنها التدخل الإيراني المباشر في عدة دول عربية، وتوظيف أذرعها لتقوم بدور غير مشروع مستهدفة هز الاستقرار في الإقليم بأكمله.
إذن وفي ظل مناخ المقايضات والتسويات الإقليمية المحتملة فإن السؤال المطروح، ما هو دور القوي الكبرى فيما يجري، وهل سيكون للولايات المتحدة دورا في التفاعل مع ما يجري من مصالحات وتسويات، سواء في منطقة الخليج العربي أو مسار العلاقات بين ومصر وتركيا والتسويات المقبلة في الملف الليبي والسوري وشرق المتوسط؟
والإجابة ترتبط بإشكاليات إتمام التسويات المؤقتة، والتوصل لخيارات توافقية ستستمر مع التوقع بحدوث بعض التدخلات الأميركية للتأكيد علي حضورها في إدارة الملفات الرئيسة، وهو ما قد يفرض على بعض الأطراف المعنية مراجعة مواقفها، فتركيا في حالة تنازع مع أميركا - وإن اتفقت مصالحهما - كما أن مصر تترقب السلوك الأميركي تجاه التأكيد على مضمون شراكتها الاستراتيجية، أما إيران فستبقى المهدد الرئيس للتسويات المحتملة ما لم ترتكن لوقائع السياسة وتتخلى عن نهجها الراهن، ولتبقي قاعدة المصالح المشتركة هي الحاكمة لمسار ما سيجري.