عدنان برجي يكتب:
أجندة منشودة لضمان التغيير المطلوب في لبنان
تتفاقم الأزمة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة في لبنان، وتتشابك اكثر فأكثر مع أزمات المنطقة ومع المتغيرات الإقليمية والتطورات الدولية.
حجم الأزمة اجتماعيًا واقتصاديًا بلغ درجة غير مسبوقة، مع ان لبنان مر بأزمات عميقة سابقا، لكن لم يصدف ان تم الاستيلاء على أموال المودعين، ولا ان امتنعت المصارف عن تأمين السيولة بالعملة الأجنبية تسهيلا للاستيراد، كما هو عليه الواقع الآن.
عام 1975، مع اندلاع الحرب الأهلية، جرت السيطرة على بعض مراكز المصارف الرئيسية في شارع المصارف في العاصمة بيروت، ودمرت الأسواق التجارية، وتم تهجير مئات الآلاف من اللبنانيين بعيدا عن قراهم ومراكز عيشهم، لكن لم يتأثر المودعون، ولم يفقد التجار قدرتهم على الاستيراد ، ولم يتقاتل الأخ مع اخيه على باب السوبرماركت، ولم يبلغ حد الفقر النسبة التي نعيشها اليوم.
عام 1982 تعرض لبنان لعدوان صهيوني وتم احتلال عاصمته، لكن لم تنفقد العملة الاجنبية من السوق اللبناني يوما واحدا، ولم تقفل المصارف ابوابها ابدا، ولم تفرغ رفوف الدكاكين والمحال من مختلف انواع الغذاء.
بعد العام 1985 تراجعت قيمة الليرة اللبنانية، فبعد ان كان الدولار الاميركي يساوي اربع ليرات لبنانية، وصلت قيمته الى 3000 ليرة عام 1992، وعلى الرغم من ذلك لم يفقد المودعون ودائعهم في المصارف، ولم يعجز التاجر عن الاستيراد او المصنع والمزارع عن التصدير.
ايضا في العام 2006 وعلى الرغم من العدوان الصهيوني لمدة تزيد على الشهر، لم تتاثر الحركة المصرفية، ولم يشعر اللبنانيون بضائقة مالية او اقتصادية او معيشية كتلك التي نعيش.
حدّة الأزمة الحاليّة تستدعي ابتكار أجندة مختلفة قوامها فصل المطالب الآنيّة عن المطالب الإصلاحيّة الجذريّة، فالطبقة الحاكمة أعجز من ان تقوم بأي اصلاح بنيوي، انها سبب الخراب ولا يمكن لها ان تكون قادرة على البناء، أيضًا ينبغي اختيار الإسلوب الأفضل لتحقيق الغاية المنشودة في كل مرحلة من المراحل:
أولاً - تشكيل حكومة بمهام محدّدة حياتيّة وسياسيّة، ولفترة زمنية محدّدة. ان التذرّع بعدد أعضاء الحكومة، وبحجم تمثيل هذا الطرف او ذاك، ليس سوى تعبير عن استهتار جميع أركان الطبقة الحاكمة بمطالب الناس، ورهن الّلبنانيّين لأجندات دوليّة وإقليميّة لا يعرف أحدًا مقدار الوقت الذي تستهلكه لتحديد اتجاهاتها. لقد آن الآوان لأن تخرج الطبقة الحاكمة والمتحكمة من قاعدة استمرأتها طويلًا:" تقاسم المغانم حين يكون اقطابها متفقون، وتقسيم الّلبنانيّين حين يكون اقطابها مختلفون".
ثانياً – الفرز بين المطلوب حالياً لحياة المواطن وبين المنشود سياسياً لمستقبل الوطن:
أ- المهام الحياتيّة: السهر على معالجة الأزمة المعيشيّة، من خلال تثبيت سعر الدولار على سقف معين، منعًا لارتفاع الأسعار بين ليلة وضحاها. استيراد الفيول والمازوت والمحروقات من دولة لدولة، لتوفير الكهرباء للمصانع والمواطنين. اقرار قانون الكابيتال كونترول وحماية اموال المودعين، وإعادة شيء من الثقة الى القطاع المصرفي. مواجهة وباء كورونا بتأمين اللقاح وتسريع عملية التلقيح. تأمين الغطاء السياسي للجيش والأجهزة الأمنية لمواجهة التفلت الأمني الذي قد تستغله جهات متطرفة بدعم خارجي.
ب: المهام السياسيّة: إعداد مشروع قانون انتخابات نيابيّة يلتزم المعايير الواردة في اتفاق الطائف لجهة توزيع الدوائر الانتخابية، ويضع معايير شفّافة للدعاية الانتخابية، ويمنع المال الانتخابي ويعاقب الراشين والمرتشين بعقوبات صارمة ورادعة، على ان تجري الانتخابات في موعدها المقرر في العام 2022، ويناط بالسلطة السياسيّة الجديدة المنبثقة عن هذه الانتخابات رسم السياسة الاقتصاديّة والماليّة والنقديّة، وتحديد علاقات لبنان مع اشقائه العرب، ومع المحيط الإقليمي والدولي، وتنفيذ الإصلاح الإداري المنشود، وتنفيذ بنود اتفاق الطائف لجهة بناء المؤسسات الدستوريّة على اسس وطنيّة غير طائفية، والإنماء المتوازن، والنهوض بالتعليم الرسمي وتوفير الضمانات الإجتماعية والصحيّة للبنانيّين كافة.
ثالثا- في الإسلوب الواجب اعتماده من كل القوى والهيئات المنتفضة على الواقع المأساوي الذي نعيش:
1 - الإقرار بفصل المطالب الآنيّة عن المطالب الجذرية الأخرى على اهميتها، وضرورتها، ووجوبها.
2- اعتماد اسلوب الضغط بالتظاهر والاعتصام في الساحات العامة وأمام بيوت الفاسدين، والامتناع كليًا عن قطع الطرقات، أو تخريب الممتلكات الخاصّة والعامّة.ان كل دولاب يحترق على طريق يترك وراءه حفرة لن تتمكن الدولة بمؤسساتها العامّة من ردمها الا بعد سنوات طويلة. ان من يعتبر نفسه ضنينا بلبنان واللبنانيّين يجب ان يكون سيفًا قاطعًا في وجه كل من يريد الخراب في لبنان. ان قطع الطرقات يقدّم خدمة جليلة لكل من يريد للوضع القائم ان يستمر ويتفاقم. ان المتضرر الوحيد من قطع أوصال البلد هو المواطن الفقير ومتوسط الحال، ان بقي متوسطي حال في لبنان، وليس المسؤول السياسي، أيًا كان انتماؤه، او توجهه، او موقعه. لقد ظهر ان اختيار الإسلوب الخاطئ في التحرك يؤدي الى رفع الأسعار وتدني القيمة الشرائيّة للرواتب والأجور، ويسهم في ابعاد غالبيّة اللبنانيّين عن الحراك الشعبي . اننا على ابواب فصل الصيف، فان استمر هذا النوع الخاطئ من التحركّات الانفعاليّة فلن يأتي اللبنانيّون المغتربون الى ربوع الوطن ولن تقوم قائمة للمؤسسات السياحيّة وللعاملين فيها، ولن يكسب اللبنانيّون عملات اجنبيّة تخفف من وطأة الطلب على الدولار.
ان عدم الاتفاق على وضع اجندة للمطالب بين آني عاجل وقريب منشود، او بين حياتي وسياسي، سيؤدي حكمًا الى تشرذم القوى المنتفضة، والى يأس الناس من قوى التغيير، بما يؤبّد بقاء الطبقة الحاكمة المتحكّمة، التي انتجت المأساة التي نعيشها اليوم، بكل مفاصل الدولة. ان تحرّك اي جهة منتفضة بإسلوب ديمقراطي سليم هو أمر ايجابي، لكن حتى يعود الزخم الى الحراك الشعبي مجتمعًا لا بد ان يشعر المواطن بوحدة الهدف وان يتم الابتعاد، كليًا ونهائيًا، عن الاساليب الغوغائيّة، فالمرحلة لم تعد تتحمّل مغامرين أو مقامرين. يكفنا ان نسبة 60 بالمئة من اللبنانيين اصبحوا فقراء، فلنتفق على اجندة قابلة للتطبيق ويلتف من حولها الجميع.