عدلي صادق يكتب:

قائمة "فتح" للانتخابات الفلسطينية في ولادتها العسيرة

مع صدور هذا العدد من “العرب” يكون نفد الأجل المحدد لكي تقدم حركة فتح بقيادة رئيس السلطة محمود عباس قائمتها لانتخابات المجلس التشريعي. فإن لم تتمخض المشاورات الضارية عن قائمة حتى مساء 30 مارس، سيصبح منحنى الانتخابات في بدايات نزوله، بحكم أن عباس سيضطر إلى طلب مهلة من لجنة الانتخابات المركزية، بينما الطلب يُعد بحكم تبعية اللجنة فعليا لسلطته، بمثابة تعليمات.

كان كل ما يتسرب عن نقاشات “مركزية” الرئيس الفلسطيني يُفيد بأن خيارات أعضاء هذه اللجنة قد تصادمت، وسُدت أمامها فرص وضع بصماتهم على القائمة، وفي الحالين، ظهور القائمة أو طلب مد المهلة، سيكون الأمر منطويا على خلافات حادة، إذ سيعتبر أعضاء “المركزية” أنفسهم قد نالوا ما ظلوا يعانون منه من فقدان التأثير، حتى في المفصل الوحيد الذي توقعوا فيه أن يُمنحوا هامشا، وأن رئيس السلطة يفرض رأيه دون أدنى اعتبار لآرائهم إن كانت لهم آراء. وفي حال طلب المهلة، سيكون هؤلاء الأعضاء، ومعهم الجمهور الفلسطيني، أكثر تشككا في إجراء الانتخابات، وعندئذ سيكون التعليل الوحيد الذي سيحاول عباس تسويقه هو القول إن المؤشرات تدل على أن أطرافا راديكالية يمكن أن تتقدم على حساب حركة فتح التي لم يستطع توحيدها وفقا لخياراته.

واللافت أن مداولات “اللجنة المركزية” قد أنتجت حسب التسريبات عجز هذه الحركة عن التوافق على رأس القائمة. فهو يريد طرح أسماء موصولة بحساباته الشخصية، وهو رجل معزول أصلا عن المجتمع الفلسطيني، بينما أعضاء المركزية، الموجودون وسط المجتمع، يعرفون حساسية الناخب وآراءه في الناس، وبالتالي يريدون تحاشي إسقاط القائمة بجريرة الأسماء التي يريدها عباس. وفي كل الأحوال سيكون أعضاء “المركزية” قد واجهوا نتائج طواعيتهم له واستنكافهم طوال أكثر من عشر سنوات، عن الاعتراض على أي شيء خاطئ يقرره، ويؤثر سلبا على مكانة حركة “فتح” وعلى منظمة التحرير من خلال اختياراته للسفراء، التي لا يُستمزج فيها رأي أحد، بخلاف ما يجري في كل كيانات العالم الملتزمة بقواعد التنسيب وقرارات الابتعاث. فلم يتبق حتى للمقربين منه شيء يمكن أن يبادروا إليه، والمكلفون بالعمل ينقلون رسائل ويأتونه بالأجوبة، وهو الذي يقرر.

هذا الوضع يعرفه أعضاء “اللجنة المركزية” مثلما يعرفه الناخبون، وفي مناسبة هذه الانتخابات، كانوا مضطرين إلى مقاومة التفرد، لكي يستطيعوا تسويق القائمة ورص الصفوف، وتفويت الفرصة على حزب أصولي، لم يكن له وجود في مرحلة النضال الوطني، ولم يظهر على مسرح السياسة إلا عندما توافرت له جغرافيا فلسطينية، وإن كانت ضيقة ومحاصرة، تتيح له أن يحكم، وأن تتأسس له جغرافيا سياسية، لن تكون القوى الوطنية، بسبب طبائع حكم عباس، قادرة على زحزحته عن الحكم فيها، بنتائج الانتخابات، في حال ربح الطيف الوطني.

وبدا أن تأخر “حماس” في الإعلان عن قائمتها يرتبط بتأخر حركة “فتح” على هذا الصعيد، إما من باب التغطية على التأخر الأول، أو انتظار الأسماء في القائمة الفتحاوية، لفهم حسابات المنافسة الانتخابية ووضع توقعات موضوعية بشأنها. أما بخصوص قائمة تيار فتح الإصلاحي، فإن سجال فتح الداخلي لم يشغله عن إطلاق حملة ضارية على التيار قبل أن تظهر قائمته. ويتوقع هذا التيار أن تبدأ بعد أيام عملية اللعب بالحقوق الدستورية لمرشحي التيار، تحت عنوان “عوائق قانونية” لكي يصار في هذه الحملة استخدام تعبيرات القانون الذي أدار عباس ظهره إليه على مر السنوات. وفي هذه الأثناء، لم يتخل أمين سر “مركزية” عباس عن محاولاته الاستفادة من “حماس” والزعم أن فتح تتوافق معها وأن الأمور بعد الانتخابات ستكون “مبشرة” بالتشارك معها في الحكم.

خلو وفاض الرجل من أي براهين تستند إلى خطوات عملية على الأرض اضطره إلى الاستمرار في إطلاق عبارات بلا معنى. ففي تصريح له، قال بالحرف “إن فتح وحماس توصلتا إلى اتفاق على وثيقة سياسية مقبولة دوليا، تُعبد الطريق أمام حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات، يشارك فيها الجميع، ويكون شخوصها قادرين على الحركة والاشتباك؛ شراكة ترتكز إلى برنامج سياسي وإلى مفهوم لحل الصراع والمقاومة وإلى مفهوم للسلطة والدولة الواحدة ذات السلاح الواحد وقبول وحدانية منظمة التحرير”.

وحيال مثل هذه التصريحات العجيبة، لم يجد الفلسطينيون سوى السخرية من هكذا عناصر، يُفترض أنها تعلمت السياسة، لكنها تثبت في كل يوم أنها في مرحلة التهجئة للحروف الأولى من معنى الدولة أو النظام السياسي. جبريل الرجوب يتحدث عن تشكيل حكومة من الحركتين، مع تطمين الفصائل الأخرى على نصيبها من المشاركة. وهنا يمكن للمواطن الفلسطيني أن يتجاوز عن كون الطرفين على ثقة بالفوز ولم يتبق لهما إلا الاتفاق على شكل الحكومة، وهذا ما دعا إلى صياغة الوثيقة، لكن السؤال الذي راود الكثيرين: كيف ستمارس هذه الحكومة الحركة والاشتباك؟

بخصوص الحركة، ظل هؤلاء يتحركون طوال ثلث القرن ولم يقيدهم أحد، وكانوا يستطيعون التصالح وبناء النظام السياسي وخدمة شعبهم ولم يفعلوا. أما الاشتباك فإن الشعب الفلسطيني في حاجة لأن يشرح له الرجوب معناه. والرجل يقول إن “الوثيقة” تُعبّد الطريق أمام حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات، يشارك فيها الجميع وترتكز إلى رزمة من المفاهيم؛ مفهوم لحل الصراع، وواحد للمقاومة، وآخر للسلطة والدولة الواحدة ذات السلاح الواحد، مع الاتفاق على أن يكون أبومازن هو زعيم الشعب الفلسطيني!

 ولم يوضح “أمين سر حركة فتح” القصد من كلمة “حل” وهي اسم الفعل “يحل” لكي يعرف المتابعون ما إذا كان الأمر يتعلق بكل من الصراع والمقاومة على حدة، أم يكون الحل متكاملا لكليهما؟

إن “وثيقة” جبريل ـ العاروري التي أعلن عنها الأول تضمن لحكومة ما بعد الانتخابات القدرة على الحركة والاشتباك، مثلما ضمنت وثيقة عباس ـ بيلين في العام 1995 الدولة المستقلة، والاستغناء عن وكالة “أنروا” تحديدا. فـ”الوثيقة” الجديدة بُشرى خير، تزدان بجعل عباس زعيم الشعب الفلسطيني إلى الأبد، دون أن يتأسس نسق سياسي، يملأ الشاغر، في حال رحيل الزعيم الزاحف إلى سن التسعين!

ولم  تكلف وسائل الإعلام القطرية التي نشرت التصريح نفسها تقصي معنى الاشتباك. وتركت الأمور عرضة للتخمين الذي يلامس الخداع. وهذا ما يناسب عقليات الممسكين بمقاليد الأمور في السلطة الفلسطينية، الذين أنتجوا الانقسام وتسببوا في ترهل النظام السياسي وتجويفه من المؤسسات، وتكريس التفرد، وإغفال البُعد الاجتماعي للسياسة، وتعميم الضحالة في فهم معنى العمل الوطني العام. فلم يدرك هؤلاء بعد أن البلاءات التي تخنق حياة الناس لا يمكن معالجتها بفذلكة الكلام، والتمحك بالوثائق، وانتحال الفوز قبل أن تقول الصناديق كلمتها، مع انتحال الوصاية على الناس.