ميلاد عمر المزوغي يكتب لـ(اليوم الثامن):

النهضة ....اسوان....هل بدأت حرب المياه

هناك عقود ومواثيق دولية تنظم حصص دول المنبع والعبور والمصب من مياه الانهار العابرة للدول,إلا ان الالتزام بهذه الحصص اصبح ضربا من الخيال,دول المنبع نظرا لعدم استفادتها المثلى من المياه بسبب الروافد وعدم امكانية اقامة السدود عليها فإنها لجأت الى اقامة سدود ضخمة تستخدمها في توليد الطاقة الكهربائية,ما جعل هذه الدول تستحوذ على حصص غيرها من الدول,بل اصبحت دول العبور والمصب تعاني من الجفاف والتصحر ومن ثم تدنى الانتاج الزراعي,ما يشكل ضررا اقتصاديا يلحق الاذى بالعاملين بالقطاع الفلاحي.

للأسف الشديد فان عامل القوة هو الذي يتحكم في التزام دول المنبع بحصصها وليست الاعراف او المواثيق الدولية,فعندما كان العراق قويا (عسكريا) لم تجرؤ تركيا على التعدي على حقوق سوريا والعراق المائية,وعندما ضعفت هاتان الدولتان نتيجة تدخل الدول الكبرى في الشؤون الداخلية لهما بحجج واهية,ولم تعودا تقويان على افتكاك حقيهما,فقد اقدمت تركيا على اقامة العديد من السدود على نهري دجلة والفرات بشكل يفوق احتياجاتها وبيع المياه المعلبة الى الخارج بينما معظم المشاريع الزراعية بسوريا والعراق لحقها التلف وانخفاض مستوى المياه الجوفية.      

العلاقات بين الدول المعنية(اثيوبيا,السودان,مصر) في الاونة الاخيرة بسبب عدم حنكة ساستها وتغلغل النفوذ الصهيوني في القارة السمراء التي اجتث منها سبعينيات القرن الماضي حيث كان يعمل على احداث الفتن بين العرب وجيرانهم الافارقة,شابها نوع من الفتور,اقامة السدود من حق كل الدول للاستفادة من المياه بشرط ألا يؤدي ذلك الى الانتقاص من حصص الدول الاخرى وزعزعة امنها الغذائي خاصة وان كل من مصر والسودان تعتمدان كلية على الانتاج الزراعي منذ القدم.

ان سعي اثيوبيا الى تعبئة سد النهضة بصفة آنية بوتيرة سريعة وليس على مراحل وعدم التفاهم مع السودان ومصر بالخصوص,سيؤدي الى انقطاع المياه عنها ما يسبب في توقف كلي او جزئي لإنتاج الطاقة الكهربائية التي تزود معظم القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية, بمعنى انخفاض الاداء ما يشكل تدهورا في الناتج المحلي الذي يؤدي بدوره الى عجز في الميزانية وتقليص في الخدمات العامة.

الوطن العربي يمتلك الثروة النفطية والغازية ومناجم الحديد والفوسفات ويحقق عائدات ضخمة ,لكنه لا توجد به انهار(منابع) ذات جدوى اقتصادية تجعله يؤمن غذاءه,ما يستوجب عليه اقامة علاقات اقتصادية وسياسية من خلال مشاريع استثمارية تقام بدول المنبع تعود بالنفع على الجميع,ويؤمن تدفق المياه الى دول المصب.العرب مستهدفون في وجودهم,وللأسف رغم ان لديهم اموال طائلة إلا انهم لم يسعوا الى امتلاك اسباب القوة التي تجعلهم يذودون عن حياضهم.     

المؤكد ان النيل هو عصب الحياة في مصر والمساس به يعد من الكبائر,فهل يقبل المصريون نضوب مياه النهر(عنوة) وتوقف فعالية سد اسوان الذين بذلوا في سبيل اقامته الارواح والأموال عن انتاج الطاقة الكهربائية؟ وتوقف العديد من المشاريع الزراعية المقامة على ضفتي النهر؟

هل سيغامر قادة اثيوبيا بعلاقاتهم الطيبة مع اخوانهم العرب وقد آووا اوائل المسلمين المهاجرين الى الحبشة فرارا بدينهم ايام النجاشي,بتصرف يفتقر الى الحكمة وحسن التدبير؟هل سيكونون القشة التي يرمي بها الغرب وأعداء الامة لتقصم ظهر مصر؟ ويكونون السبب في اشعال حرب اقليمية,المنطقة في غنى عنها؟ تحصد ارواح الابرياء بها وتذهب باقتصادياتها,والمستفيد الاكبر هي الدول المصنعة للأسلحة بمختلف انواعها.