عدنان برجي يكتب:

نيسان جرحٌ نازفٌ ليس يندمل

صبيحة 13 نيسان 1975 سالت دماءٌ قانية في إحدى ضواحي بيروت، كانت السبب المباشر لحرب أهليّة مدمرّة للبشر والحجر، حصدت مئات آلاف الأرواح، ودمرّت مدنًا وقرى وممتلكات، وسبّبت الإعاقة لعشرات آلاف الشباب، وهجرّت مئات آلاف الّلبنانيّين في الداخل والى الخارج، ناهيك عن المفقودين الذين لم يُعرف مصيرهم حتى اليوم، واستمرت بمآسيها المباشرة حتى إقرار اتفاق الطائف برعاية عربيّة وتغطية دوليّة في تشرين الثاني من العام 1989.

هذه الحرب، لم يهابها كثر في بداياتها، حتى أن أحد رسامّي الكاركاتير المشهورين، نشر رسمًا في جريدة مُعتبرة يومها عنوانه : "الحرب أولّها مدافع وآخرها منافع" ، غير ان الواقع أثبت أن المدافع بين أبناء الوطن الواحد لا تجلب المنافع أبدًا.

فإضافة الى الخسائر البشرية التي لا يمكن ان تعوّض، والخسائر الماديّة الجسيمة، فقد كان من آثار هذه الحرب مايلي:

1-    تحويل لبنان من وطن الى ملعب أو ساحة، يتقاتل فيها الآخرون، والوقود هم أبناء الشعب اللبناني.

2-    تدخلّات خارجيّة في كل شاردة وواردة، حتى غدا لبنان أوطانا على مقاييس الطوائف، والمذاهب، والأحزاب، والجماعات، والحركات، والهيئات، فلكل طرف جمهوريتّه الخاصة.

3-    احتلال صهيوني غاشم لجنوبه ولعاصمته، لم يندحر إلا بفضل دماء المقاومين على امتداد اكثر من عقدين متواصلين، ولا تزال بعض من أراضيه، في مزارع شبعا والعرقوب والغجر، محتلة حتى اليوم، كذلك لا تزال الاعتداءات الاسرائيليّة الصهيونيّة قائمة يوميًا.

4-    تدمير اقتصاده تدميرًا تامًا. فقبيل الحرب الأهليّة كان الدولار الأميركي يساوي ليرتين لبنانيّتين وبضعة قروش، وفي نهايتها أصبح يساوي ثلاثة آلاف ليرة لبنانيّة، وحاليًا بلغ خمسة عشر ألف ليرة لبنانيّة.

5-    تدمير مؤسّسات الدولة وفي طليعتها المؤسّسات الرقابيّة، ومؤسسات التضامن الاجتماعي، ومؤسسات التعليم، والصحة، والكهرباء، والمياه، وشبكة الطرقات. قبيل الحرب كانت الكهرباء قد وصلت الى جميع المناطق الّلبنانيّة وعلى مدى 24 ساعة يوميًا. الآن لا يحصل سكان العاصمة على اكثر من 6 ساعات تغذية يوميًا.

6-    هجرة الكفاءات من خرّيجي الجامعات والعمّال المهرة، وأعداد الراغبين في الهجرة تتزايد يومًا بعد يوم.

7-    تكبير الأحقاد والضغائن بين الّلبنانيّين ورفع منسوب التعصّب البغيض الذي يقود حكمًا الى الجهل، والجهل يقود الى الشرور كافّة.

 

قد يقول قائل ان بعض الآثار الآنفة الذكر ليس من صنع الحرب، والجواب بالنفي قطعًا، لأن من حكم لبنان بعد توقف المدافع، هم افرازات تلك الحرب، الذين استبدلوا الثياب المرقطّة بالبدلات غالية الثمن، واستبدلوا المدافع بإغداق المنافع على المحاسيب والأزلام. كان السلاح وسيلة لفرض الخوّات، واصبحت المؤسّسات الدستوريّة والحكوميّة غطاء لنهب المقدّرات.

 

الدروس التي يمكن الإفادة منها

1-    وحدة الّلبنانيّين في مآسيهم. فالقتل، والدمار، والتهجير، والفقر، لم يقتصر على فئة دون أخرى. قد يكون أحدهم احتل مركزًا سياسيًا باسم طائفة أو مذهب، لكن أبناء الطائفة، وأبناء المذهب، يعانون كما كل الًلبنانيّين. لا فرق في المعاناة بين مواطن لبناني وآخر، ولا فرق في الجشع بين مسؤول وآخر. يدّعون الحفاظ على مصالح الطائفة والمذهب، ليتقاسموا الحصص ويزيدوا في ثرواتهم الخياليّة.

2-    كل عنف داخلي بين أبناء الوطن الواحد هو دعوة مجانيّة لأن يستمر الوطن ملعبًا للآخرين، واستدعاءً رخيصًا لتدخّل صهيونيّ.

3-    كل عنف داخلي سوف يأتي بطبقة، أشدّ تسلطًا، وأكثر فسادًا. فمن يقوم بالهدم لا يقوى على البِناء.

4-    من يزرع العنف لن يكون بالضرورة هو في موسم الحصاد. فالأحزاب التي بدأت الحرب عام 1975 اندثرت، وصعدت قوى أخرى كانت أكثر استجابة لمتطلبّات تحويل الوطن الى ملعب او ساحة.

 

الخلاصات:

1-    مع كل المعاناة التي يعيشها الّلبنانيّون، فان الحل ليس باتّباع العنف واستسهال إطلاق الحروب. ان شرارة بسيطة قد تودي الى اندلاع نار لا يقوى أحد على اطفائها. ان التجربة اللبنانيّة خير شاهد، وكذلك ما يحصل الآن في سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا. لذلك من واجب كل إعلاميّ، وكل تربويّ، وكل ولي أمر، أن يشرح الحقائق للجيل الحالي وللأجيال القادمة. ان مدارسنا لم تعلّم الأجيال ماذا جنت الحروب السابقة، لا بل ان بعض المناهج عظّم بعضًا من تلك الحروب. ان جيل الحرب عام 1975 ، وكان بغالبيّته من طلاب الجامعات، ما كان ليستسهل الحرب لو انّه وعى نتائج حرب العام 1860.

2-    ان التغيير المنشود لا يمكن إلا ان يكون بالأساليب الديمقراطيّة وعلى مراحل. فمن يطلب التغيير الجذري السريع سوف يحصد الفشل سريعًا، وسوف يكون سببًا في تمكين الطبقة المتحكّمة بمقدّرات الّلبنانيّين، والمستمرة منذ بداية تسعينيّات القرن الماضي.

3-    ليس صادقًا من يدعي السهر على حقوق طائفة او مذهب، فمن لا يسهر على حقوق الّلبنانيّين جميعا لا يستحق ان يكون في موقع المسؤوليّة مهما صغر شأن هذه المسؤوليّة أو كبر.