عبدالواسع الفاتكي يكتب لـ(اليوم الثامن):

المسلسلات الرمضانية اليمنية بين الفكاهة والتسخيف !

في كثير من دول العالم ، تلعب الخارطة البرامجية الإذاعية والتلفزيونية دورا مهما في تشكيل الوعي والهوية الوطنية ، وفي تكوين الصورة الذهنية الإيجابية لدى الآخرين عن الوطن والمواطن ، إلا عندنا في اليمن تصرف مئات الملايين من الريالات ؛ لإنتاج مسلسلات يمنية لاسيما في شهر رمضان المبارك ، تسيء لليمنيين ، فتجسد شخصية اليمني بذلك الشخص الساذج السخيف ، عاملة على الترويج لصورة سلبية عنه ؛  فتظهره بشخصية فكاهية سطحية بلهاء ، وكأن إضحاك الجمهور لا يمكن أن يتم إلا من خلال ذلكم الإسفاف ، والإنحطاط في الفكرة والأسلوب . 
ما الذي يمنع القنوات الفضائية اليمنية من إنتاج برامج ومسلسلات هادفة ؟! تبرز الجوانب الإيجابية في شخصية اليمني ، وتعمل على تغيير الشكل السلبي المترسب في ذهن الآخرين عنا ؛ نتيجة الصراعات البينية الداخلية ، التي كونت لدى الآخرين انطباعا عنا بأنا متخلفون وبدائيون في التفكير والسلوك .
سيقول قائل : إن تلكم المسلسلات موجهة لجمهور اليمنيين ، أليس من الأفضل أن تتناول تلكم المسلسلات قضايا جدا حساسة ؟!  تتصل بهموم ومعاناة الناس بدلا من كل هذا الهراء ، الذي لا طائل منه سوى تسطيح القضايا وإشاعة ثقافة التبلد واللامبالاة ، لماذا لم نجد مسلسلا يتناول معاناة النازحين من الحرب مثلا ؟! أم أن الأجواء الرمضانية لا تتناسب مع هذا التناول !  
التأثير الكبير الذي سيحدثه إنتاج مسلسل تلفزيوني ، يتناول قضية الفساد المستشري في مؤسسات الدولة ، أكبر بكثير من ألف بيان وشجب ومنشور ، سيهز بؤر الفساد ، ويسلط الضوء على أساليبها ، ويخلق وعيا مجتمعيا ، يعري الفساد ويحاصره ويحاكمه اجتماعيا ، الأمر الذي يساهم في تشكيل ثقافة مجتمعية ترفض الفساد وتجابهه .
مسلسل ليالي الجحملية في قناة يمن شباب ، كأن فكرته مستوحاة من المسلسل المصري ليالي الحلمية ، مسلسل كبتشينو والذي يعرض أيضا على قناة يمن شباب ، كل أحداثه تدور في صالة واحدة ، والتركيز فيه على الجانب الكوميدي الهزيل ، من خلال الحوار بين شخصيات المسلسل، بما يتصور أنه دعابة ، لكنه في حقيقة الأمر تصوير للبله ليس إلا ، رأى منتج المسلسل بأن ضمان إضحاك الجمهور ، يقضي بأن يطعم المسلسل بأدوار لشخصيات صومالية أو إثيوبية وأردنية ، وهذا يعكس ضآلة القدرات الفنية لإنتاج مسلسل يعبر عن البيئة اليمنية ، بدلا من استعارة شخصيات عربية لتسد العجز الفني في إخراج المسلسل .
أكتب منذ فترة سيناريو لمسلسل درامي ، يمكن أن يكن من عدة أجزاء ، أتناول فيه تاريخ اليمن المعاصر بأحداثه وتقلباته السياسية ، والاقتصادية ، من بعد الاستقلال من الاستعمار البريطاني وإسقاط حكم الأئمة ، حتى هذه اللحظة التاريخية الحرجة التي يمر بها وطننا الغالي ، اتمنى أن يجد في المستقبل طريقه للنور ، فالتوثيق الفني الدرامي لهذه الفترة بتجرد وموضوعية ، يساههم في حفظ الذاكرة الجمعية لها ، ويمنع من تشويهها في ذهنية الأجيال القادمية ؛ كي لا تستغفل ولا تستفد من أخطاء الماضي .
مازلنا نخوض معركة إسقاط انقلاب المليشيات الحوثية ، واسترداد الجمهورية والدولة ، فالأحرى أن نوجه كل طاقاتنا وقدراتنا بما فيها الفنية الإعلامية لصالح هذه المعركة ، واحترام عقلية الجمهور اليمني وهمومه وتطلعاته بدلا من تغييب وعيه بمسلسلات لا قيمة لها شكلا ومضمونا .