عبدالواسع الفاتكي يكتب لـ(اليوم الثامن):

معركة مأرب في الميزان السياسي والعسكري

منذ بداية العام الحالي قام المبعوثان الأممي والأمريكي بجولات مكوكية ، موزعة بين مسقط والرياض وعمان ، ومشاورات مكثفة مع الشرعية اليمنية والسعودية وممثلي المليشيات الحوثية  ؛ بهدف الخروج بحل سياسي للحرب في اليمن ، ينهي المعاناة الإنسانية لملايين اليمنيين ، كما طرحت المملكة العربية السعودية مبادرة ؛  لإنهاء الحرب ، يكن الحوثيون فيها  طرفا في الحل لا جزءا من المشكلة ، والتي رفضها الحوثيون ، وردوا عليها وعلى الجهود الدولية والإقليمية ؛ لإحلال السلام، بتكثيف الهجوم على مأرب، فالحل السياسي للحرب من وجهة نظر المجتمع الدولي والمليشيات الحوثية ، بهذا الوضع القائم ، لا يلبي مصالح المجتمع الدولي ، ولا يضمن تحقيق مكاسب للمليشيات الحوثية على المدى الطويل ، ومن ثم كان لا بد من منحها فرصة ؛ للاستيلاء على مأرب ، ومن ثم صياغة حل يتواءم مع وجهة نظر المجتمع الدولي للحرب في اليمن ، بما يعيد صياغة جغرافيته الطبيعية والسياسية ، بما يلائم أجندة المجتمع الدولي لا تطلعات الشعب اليمني .
خارطة السيطرة العسكرية في المناطق المحررة مقسمة بين أطراف عدة ، ذات رؤى وتوجهات مختلفة ، منحت المليشيات الحوثية استمرارية البقاء ، وجعلها تشن حروبها متنقلة بين هذه الجبهة أو تلك بارتياح تام ، ضامنة حياد بقية جبهات الشرعية ، فهاهي مأرب تخوض معركة الجمهورية وحيدة ، بينما بقية جبهات الشرعية تغط في سبات عميق .
تملك مأرب من مقومات الصمود والنصر ما يفوق بقية المحافظات بكثير ، في مقدمتها  الالتحام القوي بين ألوية الجيش الوطني والقبائل ، ذات النسيج المستعصي على الخضوع للمليشيات الحوثية ، فأبناء مأرب يفضلون أن يبادوا عن بكرة أبيهم ، بدلا من دخول الحوثيين محافظتهم ، وإذا كانت قبائل مأرب تنشب بينها ثأرات قبلية على قتيل منذ ثمانينات القرن الماضي ، فما بالنا وهي لديها ثأر مع المليشيات الحوثية ، التي قتلت آلاف الشهداء وجرحت عشرات الآلاف .
ستلتهم صحراء مأرب معدات المليشيات الحوثية ، وعشرات الآلاف من أفرادها ، وستكن مأرب بوابة النصر وتحرير العاصمة صنعاء،  إن لم يكن إرغام المليشيات الحوثية على الاستسلام ، والرضوخ للجلوس لطاولة المفاوضات ، لقد استدرجت مأرب الحوثيين من جبال نهم وصنعاء ، التي كانوا متحصنين فيها ، حيث كانت حاضنتهم ، وكان قربهم من مراكز الإمداد والدعم والمستشفيات والمراكز الصحية ، لقد سحب الحوثيون مليشياتهم من طوق صنعاء نحو مأرب ، التي ليس لهم فيها حاضنة شعبية ، وأبقوها في أرض مفتوحة صيدا ثمينا لطيران التحالف وللجيش الوطني وأبناء القبائل .
في مأرب تخسر المليشيات الحوثية كل يوم الكثير ، صحيح أن  قوات الجيش الوطني المسنودة بأبناء القبائل في وضع دفاعي ، لكن هذا الوضع لن يستمر ، ستتبخر المليشيات الحوثية على تخوم مأرب ، وسيتقدم الجيش الوطني نحو مشارف صنعاء ، دون أي إعاقة - إن لم يتدخل المجتمع الدولي ويفرض حلا -  لن يجد أمامه غير آلاف الجثث لأفراد المليشيات الحوثية ، التي تمتلئ بها الشعاب والوديان ، ومثلما كانت مأرب عصية على المليشيات الحوثية إبان أوج قوتها عام 2014 م وعام 2015م ، ستكن عليها جحيما وهي في أوج ضعفها   بل إن مأرب ستقدم درسا لليمنين ، بأنه مثلما كانت بداية انتفاشة المليشيات الحوثية سريعة ستكن نهايتها أسرع .