عباس البخاتي يكتب لـ(اليوم الثامن):

عندما كان في العراق حكيمة

في العشر الأولى من رمضان المبارك، لنا وقفة مع القرطاس والقلم لنكتب مؤبنين، ونستذكر متحسرين، ثم يعود بنا الخيال لذاتنا المفقودة، بعد ان صارت قاب قوسين أو أدنى عن التحقق، علنا نسلي أنفسنا بأنها سنة الحياة، وماجبلت عليه البشرية من طباع، فنحجم عن ذلك أسفا، على غلبة الجهل والخداع الذي أضاع الفرصة.
تلك السنة التي اشك بصوابها، كونها تعطي عذرا لناكري النعم، ومتجاهلي حق الرجال، وطاعني شرف الإخلاص.
ثم نرجع من شكنا الى عين اليقين، مقرين معترفين، بأنها سنة الحياة التي علمتنا، على الإحساس، بنعم ربنا بعد فقدها وقيمة الرجال بعد غيابهم، وثمن النزاهة وشرف المسؤولية، بعد عبث الآخرين بها.
نعم.. ففي الخامس من شهر رمضان المبارك، لا مهرب للمشاعر إلا أن تمتطي قارب الذكريات، لتعود الى مابعد اختفاء بطل التحرير القومي في حفرته، ودخول قوات التحالف العراق، والناس في "حيص بيص " ولا تعلم في اي موضع تحط الأقدام.
في هذا اليوم رحل عن السياسة حكيمها.. الذي كنت مترددا جدا في الكتابة عنه شيئا هذا العام، كوني أعتمد كثيرا فكرة "الواجب الكفائي" لدرجة أني كنت مكتفيا، بمشاركة أبناء مدينتي في الحرب المقدسة، تلبية لفتوى الجهاد الكفائي.. كذلك حاولت الاكتفاء بما جادت به أقلام الكتاب، الذين استذكروا الفقيد بيوم رحيله.
لكن ولأن ميدان الكتابة، أقل خطرا على النفس من ميدان الرصاص، أفتيت لنفسي بوجوب الكتابة، عن تلك الشخصية ولو على نحو الإيجاز.
يكفي هذا الرجل فخرا ان العناوين الطويلة والعريضة، التي تشهدها الساحة السياسية الشيعية  اليوم والتي جاء أغلبها من عالم المجهول _ لم تكن معروفة في زمن تصدي عبد العزيز الحكيم للشأن السياسي.. وتحسب له ان أشد المعترضين، على متبنياته السياسية في حياته، هم اليوم من اشد المنادين بها بعد وفاته، كالفيدرالية وإبعاد العراق عن دائرة الصراع، وضرورة الانفتاح على العمق العربي، لإبعاد الوطن عن المخاطر، التي تصدر من هنا وهناك على أقل تقدير.
من يعرف هذا الرجل ولو القليل عنه، يحق له ان يسميه حكيم الاستشراف، كونه يرى الخطر على الأبواب او أبعد من ذلك، فيسارع في إتخاذ تدابير الوقاية  بما يحفظ مصلحة الأمة، ويصون دماء ابناءها وسلامة الأرض والعرض، فلا صخب المنافسين وضجيج الاعداء ولا همس الجهلة، يثنيه عن التصريح بما يراه حلا لإنقاذ امته ووطنه من الانزلاق في الهاوية.
كيف لمنصف ان يتغافل عن إخلاصه لقضيته، وحمله لهموم شعبه بعد ما شاع عن مواقفه ووطنيته، ما يرويه خصوم الأمس ممن وجد الحقيقة ماثلة أمامه.
لو تم التغاضي عن كل ما قيل عن خطواته الوطنية، وسلط الضوء فقط على دعوته لتشكيل اللجان الشعبية، لحفظ الأمن في المناطق ذات التنوع السكاني والمذهبي، لتأخذ على عاتقها تحقيق هذا الغرض، لعرف المتابعون أي نظرة استشرافية يحمل هذا السياسي، الذي اراد ابعاد البلد عن الحاجة، لتشكيل الميليشيات المسلحة التي أصبحت وبالا على أبناء الشعب، ولأصبحت قوة رديفة تحظى بدعم حكومي وجماهيري، كونها تخضع لسلطة القانون.
خصوصا ونحن اليوم نشاهد الأثر الإيجابي الكبير، الذي تحقق بعد فتوى الجهاد الخالدة، والتي تمخض عنها تشكيل هيئة الحشد الشعبي، والذي لا تختلف كثيرا عن فكرة اللجان الشعبية، التي دعا إليها الحكيم سابقا.
أو لا يرى أرباب التحليل السياسي والمتابعين للشأن العام، ثمة فرقا في مستوى الأداء السياسي  وتحديات الوحدة الوطنية، ونكران الذات في سبيل جمع كلمة ابناء الطائفة الواحدة، وجعلها منطلقا لوحدة الصف الوطني، الجامع لكل المكونات_ في الظرف الراهن قياسا بما كان عليه الامر عندما كان في العراق حكيما!