واثق الجابري يكتب لـ(اليوم الثامن):

ما الذي يمنع القوى من التحالف؟

التحالفات مسألة حتمية مفروضة على القوى السياسية، في ظل التعددية المفرطة في العراق.. فتشكل نظام سياسي يقترب من المثالية أو الممارسة الصحيحة للديمقراطية، لتنجب سياقاتها حكومات قادرة على تنفيذ برنامجها، أن كان هناك برنامج بالفعل، أمر صعب في وضعنا الحالي,  وإلاّ هي مجرد أوراق مستنسخة لا ينفذ معظمها بعد تشكيل الحكومة.

 أفرزت نتائج الإنتخابات العراقية المتلاحقة وستكون كذلك في اللاحقة،  عدة قوى لا يتجاوز عدد أحدها الأغلبية البرلمانية ولا حتى يقترب منها, وفندت إدعاءات بعضها بأنها كتلة كبيرة أو قادرة على تشكيل حكومة لوحدها، لأنها لم تملك أكثر عدد من المقاعد لا يتجاوز عتبة نصف المقاعد.

 جاءت تفسيرات معظم القوى بعيدة عن فلسفة التشريع، الذي يلزم الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، وفي أسوء الأحوال تملك نصف المقاعد  مع مقعد أضافي، وهذا ما يتطلب من القوى التحالف لضمان التصويت على الحكومة، وفي حال فشلها ينص الدستور على تكليف الكتلة التي تليها عدداً، وهاتين التكليفين ليسا مطلقين إنما بفترات دستورية محدودة، ولم يذكر في حال فشل الثانية، ولم يتطرق الى ثالثة ورابعة وهكذا، مما يعني أنه كلما  زاد تسلسل الكتلة قل عدد مقاعدها، وفي كل الأحوال ستظل هناك حاجة للتحالف.. ورغم أن النظام الديمقراطي يفترض ان تكون به كتلتان أحدهما أغلبية لتشكيل الحكومة، والاخرى أقلية للمعارضة، ولكن من النادر أن تجد قوة سياسية تذهب الى الخيار الثاني، وأن عارضت الحكومة، فذلك بعد حصولها على حصتها من المناصب.

 تنقسم القوى السياسية طوليا وعرضياً، وعلى أساس مناطقي طائفي قومي، ومعظمها تعمل ضمن دائرة نفوذها، والقوى الشيعية تتمنى التحالف مع قوى من طيفها تضمن لها رئاسة مجلس الوزراء، وكذلك السنية برئاسة مجلس النواب، والكورد لرئاسة الجمهورية، وهذا ما يمنع من قيام تحالف بين قوتين، ولا يقبل أحدهما للآخر نيل نفس الهدف، ما يجعلها تحرك  الجمهور لتسقيط من في ساحتها كونه المنافس الأقرب، ولن يؤثر صوت كوردي في مساحة شيعية، ولا سني على مساحة كوردية، وهذا لا يمنع التحالف مع قوى لها مطامح أخرى وترجو من التحالف نيل الهدفين.

إن البقاء بنفس دائرة التفكير لسنوات، دفع القوى السياسية لمخاوف الذهاب الى الساحات الأخرى والتحالف معها، لأن منافسها في ساحتها سيستخدم شتى وسائل التسقيط والإتهامات، وتهمة التخلي عن الناخبين وقضاياهم القومية والطائفية جاهزة.. وعند ضيق أفق الحلول؛ تعود القوى لممارسة نفس الأدوات القديمة، وإستغلال هفوات الآخرين أو إفتعال الأزمات من أجل الحصول على الجمهور.

 بعد النتائج مباشرة، ستعود القوى الى سابق عهدها، أو الى العهد الخفي الذي  لا يصرح عنه في الإعلام، وتظهر  مصالح مشتركة وتبتعد القوى عن التسقيط، وتتحالف المتنافرة، ويُطوى رأي الجمهور الذي تحمس ضد قضية مفتعلة.. وفي البداية تتحالف القوى القريبة مناطقياً من بعضها، ومن ثم تنطلق كل القوى للتجمهر على أبواب السلطة للحصول على حصصها، وتنسى رفضها للتحالف مع هذا أو ذاك، بل ربما سيسعى للتحالف قريباً أو بعيداً وفق ما يحقق له مصالحه، ويبقى الجمهور متفرجاً، منتظراً ما تمليه الكتل السياسية،  وخلال هذه الفترة فقط، تحاول إقناعه أن تحالفها  بهذه الطريقة هو الأنفع للدولة، سرعان ما تقسم المناصب، وتعود القوى للإنقسام والتنابز، وتثبت أنها لا تريد البقاء في أي تحالف، قالت عنه قريباً من برامجها، وبذلك تبقى البرامج حبراً على ورق والتحالفات مرحلية.