د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

حديث الذكريات (32).. ذكريات العيد أيام زمان (الحلقة الثانية)

الأقارب  أولآ :
تذهب المرأة ويرافقها بعض صغارها  يوم العيد قبل الظهر لزيارة أهلها إذا كانوا قريبين من الحي الذي تسكنه وتسلم على أبيها 
وأسرتها جميعا في زيارة خاطفة ثم تعود إلى بيتها لتقوم بتجهيز طعام الغداء مع غيرها من  نساء العائلة بعد أن  قام  الرجال بذبح كبش العيد للأسرة جميعا.
ويتناول الجميع طعام الغداء في جو عائلي يسوده الود والاحترام وبعدها ينصرفون الى بيوتهم ولا ينام أحد منهم ظهر يوم العيد اذ يتدفق الزائرون  عليهم بين ساعة وأخرى وعندما يسمعون دوي الرصاص ينزلون لاستقبال الضيوف.
الشرح في السوق:
 عصر يوم العيد ينظم أهالي الصعيد احتفالية جميلة تستمر طوال أيام العيد الثلاثة  وسط السوق حيث تقرع  الطبول وتشب المزامير في انغام جميلة ورقصات يقوم بها اللاعبون المحترفون على وقعها  حيث يشكلون صفين متقابلين ويهزون أجسادهم  وارجلهم إلى الأمام والخلف في ايقاعات منتظمة ويصفقون بأيديهم على نغمات الطبول والمزامير كما يخرج اثنان من بين الصفوف بالتناوب مع غيرهم ويرقصون  البرع وهناك منهم اشخاص مميزون بأدائهم  ورقصهم وبشكل يبهر الجميع يتمنى من يشاهدهم ان يبقوا أطول فترة ممكنة  لبراعتهم وحسن أدائهم في لعبة البرع.
لا يقتصر البرع على سن معينة او اشخاص معينين وبإمكان من يرغب الدخول الى حلبة الرقص ولكن قد يكون مثار تعليقات إذا لم يحسن الأداء ولكن ذلك لا يمنعهم من المشاركة ، وأفضل من يجيد تلك الرقصات هم اهل الصعيد وهم بارعون فيها بشكل لا يوصف وينافسهم قلة من القبائل الذين يجيدون البرع ولهم باع طويل فيها وكل ما كان اللاعبان منسجمان معا كل ما ازداد حماس الحاضرين لهما ولا ينفض ذلك الاحتفال الا مع غروب الشمس.
البساطة عنوان العيد:
لم تكن هناك  فوارق اجتماعية كبيرة في بلادنا كانت البساطة وستر الحال هما عنوان الجميع الكل يفرح بالعيد لا تدخل بيتا الا وتجد الطعام نفسه مع فارق الجودة اذ ان بعض النساء لهن نفس جميل في الاكل وهذه موهبة من عند الله ويكاد الضيف يلمس تلك الظاهرة من بيت لآخر .
السمرة:
في مساء يوم العيد تقام حفلات السمر في ساحة السوق الرئيسية او ما يعرف بالسمرة وهي عبارة عن صفين متقابلين من الرجال ويدخل الشعار وسط الحلبة بالتناوب حيث يرددون ابياتا قصيرة من الشعر وكل ما قال الشاعر بيتا او نصف البيت يردد المهمل خلفه بما يقوله من شعر ثم يردد المصطفون وراءه بصوت جماعي وما ان ينطق الشاعر بشطر البيت الأخير حتى يتلقفه الحاضرون ويرددونه بسرعة تتناغم مع صوت الطبل والتصفيق المنسجم مع الأصوات وحركة الأجساد في لوحة راقصة رائعة وهكذا حتى يدخل شاعر اخر يرد عليه وغالبا ما يكون سجالا من الشعر بين شاعرين متنافسين لكل منهما وجهة نظر معينة يتبناها حتى يكتمل السمر واشهر من كان يحضر من الشعار في تلك الفترة والدي  رحمه الله ويقابله الشاعر الهرشم ويستمر السجال بينهما ويتحمس كل فريق لشاعر ولكن دون تعصب او زعل من أي طرف ويستمر السجال حتى تنفض السمرة  والسمار في اخر الليل والشعراء في بلادنا يتمتعون بالموهبة وسرعة البديهة في الرد والحفظ ويعتمدون على الذاكرة  دون ورقة او قلم حيث يستمر السجال بينهم اكثر من ساعة ويتميزون بالفصاحة والبيان والذكاء وسرعة البديهة   والرد السريع ويتم تسجيل تلك السجالات على اشرطة الكاسيت وتلتقط لهم بعض الصور ويتم ذلك بفرح وسعادة بين الجميع حتى منتصف الليل ثم ينصرف الحاضرون الى بيوتهم بهدوء ووقار وسكينة.
اليوم الثاني للعيد:
يمتد العيد الصغير ثلاث أيام متتالية بالوتيرة نفسها ويتبادل الأهالي الزيارات فالصغير يذهب أولا للكبير ثم ترد له الزيارة في اليوم نفسه او في اليوم التالي.
وفي اول أيام العيد يتجمع رجال القبائل تحت ظلال "التولقة" وهي شجرة ضخمة وارفة الظلال  في وادي مربون وينطلقون في زوامل ويطلقون العيارات النارية وهم متجهون الى بيت الأمير عبدالله بن محسن بن فريد ويستقبلهم مع اخوانه من آل فريد بكل حفاوة وتكريم وما ان يدخلوا ساحة القصر "الفناء الداخلي المسُور"  حتى يصطفوا جميعا ويطلقون العيارات النارية صوب جبل معين دفعة واحدة ولعل اجمل صوت للبنادق هو "العيلمان" الذي يتميز عن سواه بقرحتين (صوت وصدى) ويتتابع وصول مختلف القبائل من معن لمعايدة الأمير طوال أيام العيد  كنوع من الوفاء والولاء  وفي مهرجان من المحبة الصادقة.
وحدة الاسرة في العيد:
الاسرة وحدة المجتمع وخليته البناءة والفاعلة حيث تؤكد ذلك مظاهر العيد من خلال الاحترام والطاعة لكبير الاسرة وخاصة الجد وكبار السن من الرجال والنساء ولا يخرج أحد من افراد الاسرة عن طوعهم  ويحرص الجميع  على رضاهم  بكل وسيلة ممكنة، كذلك يمتد الترابط ليشمل الأقارب والاخوة وأبناء العمومة والاخوال والاصهار من خلال زيارات متبادلة لبعضهم البعض.
وتنعكس وحدة الاسرة في المجتمع على محيط الجيران والاقارب وتمتد الى افراد القبيلة الواحدة ولا يخرج عن طوع الاسرة والقبيلة الا الشواذ وهذا من النادر جدا لان المجتمع يرفضهم ويلفظهم .وتستمر مظاهر العيد والبهجة باحتفالات العيد لمدة ثلاث أيام بلياليها حيث يشع الفرح والسرور بكل بيت.
افراح العيد:
لازلت أتذكر في أحد الأعياد عندما توجه ابي الى الحج وسافرت من عدن الى الصعيد لحضور العيد وقد سألتني امي هل لديك ملابس فأخبرتها فرحا انني اشتريت بنطلونا   وقميصا من عدن فقالت : قسما بالله اذا لبست هذا البنطلون ساترك لكم البيت وسأذهب لأهلي !! ؟؟؟
الا تستحي ان تلبس لبس الانجليز يوم عيد المسلمين اذهب الى السوق واشتر لك ولأخوتك فوط وقمصان مثل اهلك وجماعتك واذعنت اكراما لها ونفذت الامر حتى لا تغضب علي.
د. علوي عمر بن فريد