مسعود احمد بيت سعيد يكتب لـ(اليوم الثامن):
عمان بين الامس واليوم
يتداول مؤخراً العديد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي رواد العالم الافتراضي وكذلك في بعض الاوساط الشعبية بأن العهد الجديد أكثر تضييقا على حرية الرأي والتعبير '
في هذه المقالة سنحاول تفكيك هذا الاستنتاج، والاضاءة على اهمية الحريات بشكل عام والسياسية بشكل خاص واهميتها ليس كحقوق سياسية وقانونية كفلتها كافة المواثيق الدولية فقط ؛ بل كاستحقاق وطني لا مندوحة عنه .
في حماية التوجه الإصلاحي، والرقاية الشعبية‘ وتعميق الشراكة الوطنية الاجتماعية الديمقراطية. ان القوانين المنظمة لحرية الرأي والتعبير والتي تحد من الحريات الى حد الاختناق لم يطرأ عليها اي تغيير وهي على كل حال من تركة المرحلة السابقة .
الجديد في الامر ان الناس صارت اقل خوفا مما مضى هذا من ناحية ‘ ومن ناحية اخرى هناك طبقة اجتماعية او بالاحرى شريحة طبقية( البرجوازية الكمبرادورية) التي ارتبط وجودها" تاريخيا "بالسلطة والوظيفة العامة نمت مصالحها وتمددت لتغطي مساحة الوطن. شعرت بان ا لخطوات الاصلاحية الجديدة قد تهدد مصالحها بعدما فقدت مصادرسبب ثراءها وخاصة جرى مايشاع عن ملاحقات وتحقيقات ومحاولات استرجاع المال العام. وتحديدا بعد حديث سماحة المفتي حول المال العام وضرورة الحفاظ عليه بما يوفير المظلة الدينية ‘ متناغما ومنسجما مع المطالب الشعبية الواسعة. هذا المناخ ولد لديها مشاعر من الشك والخوف والإحباط افقدها الى حد كبير توازنها واستشعرت جديا بانها تحت نيران اللهب .
لذلك ارادت توجيه رسائل معينة - دفاعية - من خلال انصارها عبر الفضاء الالكتروني واسع الانتشار مفادها باننا سندافع عن مصالحنا التي حصلنا عليها خلال الخمسين عام الماضية بصرف النظر عن كيفية حصولها .
ومن المعروف علميا ان السلطة في بلدان العالم الثالث هي الاداة الرئيسية لتحقيق التراكم الراسمالي وخاصة في البلدان التي ارتبط نشؤها وكل تطورها اللاحق بعجلة النظام الراسمالي العالمي قبل اكتمال التشكيلة الراسمالية وتحديدا بعد تحول الراسمالية الى امبريالية حيث تجهز على عملية التطور الطبيعي ‘وتعمل على نمو طبقة على شاكلتها ولكن بشكل مشوه .
وفي خصوصيتنا لا يمكن خلق طبقة برجوازية بشكل سريع استجابة لحاجة التنمية الداخلية وموجبات الارتباط الخارجي الا من خلال زواج المتعة بين راس المال والسلطة وهذا بحد ذاتة معطى موضوعي للفساد والمحسوبية وهدر المال العام .
لذلك فإن مصدر ثروتها هو ارتباطها المبكر بالسلطة وبالاحتكارات الاجنبية في ظروف البناء الداخلي ومتطلباته من جانب وعلى ما تقدمة للشركات الاجنبية من خدمات كسماسرة‘ ووكلاء للشركات الراسمالية العالمية من جانب آخر.
وبالتالي فان نشاطها اتجه منذو البداية نحو : قطاع الخدمات الذي يؤمن لها ارباح فلكية في فترات قياسية على حساب التأسيس لنمط اقتصاد صناعي استراتيجي يسهم في احداث تطور حقيقي على المستوى الوطني العام رغم ما توفر لها من اموال وحماية وتسهيلات الامر الذي يستدعى السؤال حول دور القطاع الخاص الكمبرادوري الطفيلي وهل مازال له افق في عملية التنمية الوطنية ؟
ان هذه الطبقة رغم حجمها الصغير في المجتمع تلعب دور أكبر من حجمها الفعلي وخاص في مراحل التحول الاجتماعي والانتقال السلمي في السلطة و في ظل غياب الحياة السياسية والديمقراطية تتهيأ ظروف موضوعية استثنائية ويتسع امامها حيز واسع للمناورة والتكتيك وهي بطبيعتها الاستغلالية لا تستنكف عن استخدام اي وسيلة بصرف النظرف عن انعكاسها السلبي على المجتمع ولديها اوتارا كثيرة للعزف عليها وشعارها التاريخي انا ومن وراي الطوفان. المهم ان تتأمن مصالحها الطبقية الانانية الضيقة.
ان عدم تبلور وعي اجتماعي و طبقي حقيقي يفسح لها المجال لمد نفوذها المالي والمعنوي وهي : تحاول دائما تسويق مصالحها باعتباها مصالح عامة مستنده الى شرائح اجتماعية من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة التي ارتبطت بها واستفادت من وجودها الطويل في السلطة وهذا ما نلحظة بشكل واضح حيث تدفع ابواقها الى توسيع دائرة التضليل والتشكيك والتهويل وتضخيم الاشياء والاستنفار لكل صغيره وكبيره وتهييج الرأي العام ووضع العراقيل وتصوير الامور عكس حقيقتها بل وتصويرة العهد الجديد بانة عهد حرمان و قمع الحريات
والحقيقة لست من المناكفين عن السلطة وكل سلطة بها عوره لكن القول بان العهد السابق عهد حريات وديمقراطية استخفاف مجاني بعقول الناس .
لقد أقدم العهد الجديد على حزمة اصلاحات مهمة اعاده هيكلة الجهاز الاداري للدولة ‘والعمل لوضع نظام تقاعدي موحد والموقف الواضح من المال العام ‘وترشيد الانفاق ‘وكلهاخطوات مهمة في مشوار اصلاحي طويل وان لم تكن كافية ونأمل ان تتلوها خطوات لاحقة وخاصة فيما يتعلق بالاتفاقيات النفطية ومراجعتها .
ندرك ان الاصلاح الإقتصادي الذي يلامس حياة ألناس اولوية بالنسبة لقطاع واسع من ابناء هذا الوطن وخاصة الكتلة التاريخية العريضة ورغم اهمية ذلك وراهنتيه وضروره الالتفاف الجدي لملف الباحثين الذي يعتبر بحق القمبله الموقوته والعدول عن المس بالمكتسبات الشعبية والتي بالتأكيد لن يحظى اي مساس بها بإلاستحسان والقبول الشعبي وكذلك عدم رهن احلام الأجيال وحقهم في بناء مستقبلهم لحسابات مازالت في علم الغيب وان كان مارشح منها من قبل أكثر من طرف رسمي بطريقة أقل ما يقال عنها أنها غير مسؤولة ولا تبشر بالتفاؤل فالاستحقاقات الوطنيه الكبرى لا تخضع لمعيار الربح والخسارة كما هو الحال في أسواق البورصة .
ورغم أهمية وضرورة الإصلاح الاقتصادي الا اننا نعتقد بان اي اصلاح لا يطال الاصلاح السياسي سيبقى قاصرا وانه المدخل الرئيسي والأساسي للإصلاح الوطني الشامل اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا
من ناحيتنا كنا ولانزال وسنبقى من أنصار الحريات بشكل عام والسياسية بشكل خاص ‘ومن المدافعين عنها ليس باعتبارها حقوق سياسية للإنسان كفلتة كافة المواثيق الدولية ومدخل للتطور والتقدم وضمانة للاستقرار بل باعتبارها ضرورة تاريخية وحاجة موضوعية واستحقاق وطني لا بديل عنه.
وهنا نطرح سؤال تاريخي حول العمل السياسي وافاقة والى متى سيظل حقا وامتيازا وحكرا على السلطة؟ ومحرما على القوى السياسية ؟ ا ما ان الاوان لرفع الفيتو عن حق المشاركة السياسية ؟ الم تنضج الظروف للممارسة النشاط السياسي ؟ الم يبلغ المجتمع سن الرشد بعد ؟ان الممارسة السياسية الديمقراطية الاجتماعية ضروره في كل الاوقات وهي :اكبر من ضروره في الظرف السياسي الراهن التي يبدأ فيها العهد الجديد اول خطواتة الاصلاحية . السنا بحاجة الى حوامل اجتماعية سياسية منظمة ؟السنا بحاجة الى منابر وتجمعات بل واحزاب سياسية وطنية ؟
تساهم في حماية المنجزات الوطنية ومكتسبات الطبقات الشعبية من ناحية، ومن ناحية اخرى الارتقاء بالانتظام الاجتماعي الى اعلى مستوى وتنظيم الجهد الوطني وترشيده والتعبير عن الكينونة والهوية الوطنية وابراز جوانبها الحضارية والثقافية المختلفة ؛ وافساح المجال امام الطاقات الفكرية والسياسية لتقدم مرئاتها لمعضلات الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي .والتي لا يجوز الحجر عليها وتغييبها . ان عدم الاعتراف بها لايعني عدم وجودها بل سيجعل البعض يتلمس طرقا غير الطرق الديمقراطية السلمية وسيلة لتعبيرعن الذات والوجود .
لذا يجب ان تحظى بالاهتمام وعدم التجاهل وان تتوفر لها الحماية والضمانات الدستورية والقانونية للعمل على سطح الارض بدلا من باطنها.
ان الظروف الموضوعية والذاتية مهيأه تماما لاحداث مثل هذ ا التحول على الصعيد السياسي والانفتاح على القوى السياسية امرا ملحا وان التعلل باي محذور سابق لم يعد له مايبرره في المرحلة الراهنة .من حق الجميع ان يساهم في بناء المجتمع من مواقع فكرية وسياسية محتلفة .
لقد علمت التجارب بان لأحد يستطيع ان ينوب عن الاخرين في رسم معالم ستقبلهم وان يحدد اولويات وطموحات الاجيال دون مشاركتها .
و على الجميع التعلم من التجارب ومغادرة ثقافة الاقصاء واعتماد لغة الحوار الوطني الديمقراطي وسيلة وحيده للحوار والاجتهاد والاختلاف .
المهم ان ندرك بان الوطن يتسع لجميع ابنائة وهو ليس ملك قبيلة او ‘عشيرة او اسرة او فرد مهما كانت قيمة هذا الفرد في شعبة ومهما على شأنة يبقى صفحة من صفحات هذا التاريخ المجيد. الشعب هو الخالد والمتجدد وهو صانع التاريخ كله كما تقول الحقائق التاريخيه.
اننا لانطرح هذا الموضوع الذي لم يتطرق اليه احد بهذا الوضوح لكي ندعي السبق وانما لقناعة راسخة باننا نقدم رأي مسؤول وكلمة صادقة في ظرف سياسي ملائم. .معبر عن اشواق العمانيين واحلامهم في غدا افضل مدركين بان العهد الجديد يمثل مدرسة في الحكم ترى بناء المؤسسات القادره على حمل مشروع وطني طموح هدف .
وفي الذهن تجربة المرحوم طارق بن تيمور الذي يعتبر ابو الدستورالعماني الحديث وصاحب مشروع المملكة الدستورية وهي :نظره مبكره في التاريخ .
وعليه يحق لنا الاستنتاج بناءا على جملة شواهد ومعطيات تاريخية بان هذا
العهد اكثر انفتاحا وتقبلا واستيعابا لموجبات التطورواحتياجاته واكثر استعدادا لممارسة تعددية ديمقراطية في الدستور و اكثر تحررا من اثقال الماضي تمكنة من قراءة التجربة التاريخية الماضية بروح الحكمة الناقده وتجاوز مالحق بها من ندوب من حرارة الاحداث واسقاطات القراءات الاحادية للمشهد التاريخي النازف بكل تجلياته و ابعاده المختلفة من اجل استلهام العبر و استخلاص الدروس وتوظيفها في خدمة المستقبل المشرق.