الحبيب الأسود يكتب:
إخوان ليبيا.. أقلية مهيمنة تحاول فرض خيارها الانتخابي
سيجد ملتقى الحوار السياسي الليبي نفسه أمام مهمة غاية في الأهمية خلال اجتماعه عن بعد المقرر في السادس والعشرين والسابع والعشرين من مايو الجاري، والذي دعت إليه البعثة الأممية، للحسم النهائي في الآلية الدستورية المقترحة من قبل اللجنة القانونية على إثر اجتماعها بتونس في أوائل أبريل الماضي، والتي لم يعد هناك مجال لتأخير إقرارها، فالقرار الأممي واضح، وضغوط المجتمع الدولي التي تُمارس يوميا على الفاعلين السياسيين في ليبيا، تصبّ جميعها في ضرورة أن يحل الأول من يوليو، وقد تم الانتهاء من جميع الإجراءات القانونية والدستورية لتنطلق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في برنامجها العملي وصولا إلى موعد الرابع والعشرين من ديسمبر القادم.
لكن المسألة تبدو معقدة جدا، فالإخوان وحلفاؤهم طالما أصرّوا على استباق الاستحقاق الانتخابي بتنظيم استفتاء شعبي مباشر على مسودة الدستور المعيبة التي لا تخدم إلا أهدافهم، والمرفوضة من أغلب مكونات المجتمع بما في ذلك الأقليات العرقية (الأمازيغ والتبو والطوارق)، وهي مسودة تترادف مع الدستور التونسي للعام 2014 الذي انكشفت مساوئه بعد أن تم إعداده في غرف مظلمة لعب فيها الساعون لتمكين الإسلام السياسي من الحكم دورا مهما، ووجدت فيه حركة النهضة آلية لتشتيت السلطات بما يمنحها صفة الأقلية المهيمنة.
الحقيقة أن ذات الأطراف الإقليمية والدولية التي تدعم إخوان تونس هي التي تدعم إخوان ليبيا، وتسعى إلى أن تضعهم في صدارة المشهد، رغم أنهم ظاهرة سياسية وإعلامية بلا سند شعبي أو اجتماعي، بل ويعتبرون كالعضو المزروع في جسد غير قابل به. وليس خافيا أن الإخوان يجيدون اللعب على أوتار مراكز نفوذ غربية مؤثرة بشعارات مزيفة عن الإسلام الديمقراطي الذي يعدون بتكريسه، وبالليبرالية الاقتصادية التي يتبنّونها، وبالعداء للقوى الدولية المنافسة لواشنطن والمشاريع الأيديولوجية المناوئة لها.
ومن خلال الدعم الغربي، نجح إخوان ليبيا في إعادة تدوير أنفسهم بعد هزيمتهم في انتخابات 2014 وانقلابهم عليها، وصولا إلى اتفاق الصخيرات الذي أدى لاحقا إلى حالة من الانقسام في البلاد، ومنح الجماعة فرصة أكبر للتغلغل في مؤسسات الدولة بطرابلس وخاصة منها المالية والاقتصادية، وفرض جسما استثنائيا من خارج الإرادة الشعبية، وهو ما يسمّى المجلس الأعلى للدولة، على أن يكون هيئة استشارية قبل أن يتجاوز دوره ليتحول إلى هيئة تشريعية منافسة لمجلس النواب المنتخب الذي انقسم بدوره عن نفسه، وعندما قررت البعثة الأممية إطلاق الحوار السياسي، أعطت للإخوان أغلبية مصطنعة قادرة على فرض رؤيتها ومواقفها، أو على الأقل الإطاحة برؤى الطرف المقابل ومواقفه.
هذه الأغلبية ستحاول بكل قوتها، أن توجه جميع مؤشرات الملتقى إلى تنفيذ خطتها من خلال الآلية الدستورية للانتخابات، فإما استفتاء على مسودة الدستور سيؤدي إلى تأجيل الانتخابات عن موعدها المحدد والمتفق عليه أمميا ودوليا، أو انتخابات بشروط الإسلام السياسي تستبعد الاقتراع الشعبي الحر والمباشر على رئيس الجمهورية، وذلك لسببين أولهما أن انتخاب رئيس غير مقيد بدستور سيعطيه صلاحيات مطلقة، والثاني والأهم أن لا أمل للجماعة في أن يكون الرئيس الذي سيختاره الشعب محسوبا عليها أو قريبا منها.
وضعت المادة الـ26 من المقترح المرحل من اللجنة القانونية إلى ملتقى الحوار السياسي خيارين، يتعلق الأول بالانتخاب غير المباشر وهو الذي يدعمه الإخوان وحلفاؤهم الجهويون ومن يبدون تخوفا من وصول شخصية من داخل قيادة الجيش أو من المحسوبين عليهم، ومن رموز النظام السابق أو المقربين منه إلى أعلى هرم السلطة.
ووفق هذا الخيار، ينتخب مجلس النواب رئيس الدولة بالانتخاب السري، ويشترط في كل مترشح أن يحصل على تزكيتين من كل دائرة انتخابية، يعتبر المرشح المتحصل على أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب فائزا بالانتخابات في الجولة الأولى، وإذا لم يفز أيّ من المرشحين في الجولة الأولى تنظم جولة ثانية في أجل أقصاه سبعة أيام يشارك فيها المرشحان اللذان حصلا على أكبر عدد من الأصوات في الجولة الأولى، وينظم الاقتراع السري للنواب حسب الدوائر الانتخابية كل على حدة. ويعتبر فائزا المرشح الحاصل على أغلبية الأصوات شريطة أن تضم، على الأقل، نصف النواب الممثلين لكل دائرة انتخابية.
وإذا لم تؤد الجولتان الأولى والثانية إلى فوز أي من المرشحين يفتح باب الترشح من جديد، وتعاد الانتخابات حسب نفس الإجراءات في أجل أقصاه أسبوعان ويعتبر فائزاً بها المرشح الحائز على أكبر عدد من الأصوات في الجولة الثانية، وإذا تعذر انتخاب رئيس الدولة خلال أجل أقصاه تسعون يوما يعتبر مجلس النواب منحلا تلقائيا ويصار إلى انتخابات تشريعية في أجل أقصاه تسعون يوما من تاريخ آخر جولة انتخابية.
يخطط الإخوان إلى خوض الانتخابات التشريعية بأكبر عدد من اللوائح الحزبية المحسوبة عليهم والمستقلة القريبة منهم والمدعومة من قبلهم لتشتيت الأصوات بما يصب في مصلحة مشروعهم، واستغلال المال والإعلام للسيطرة على البرلمان القادم، بما يضمن لهم اختيار رئيس للدولة من بين السائرين في ركابهم، وإذا لم يتحقق ذلك فلديهم الآليات التي يستطيعون تحريكها لإفشال انتخاب رئيس والدفع نحو انتخابات برلمانية جديدة.
كما أن هدفهم من هذا الاقتراح هو تكريس مبدأ نظام برلماني وفق النموذج التونسي بعد انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011، تسيطر فيه القوة الأولى (وليس بالضرورية الأغلبية) داخل البرلمان مع دور هامشي لرئيس الدولة، وفسح مجال المساومات والمقايضات بين الكتل النيابية لشراء ذمم البعض وتشتيت صفوف البعض الآخر.
الخيار الثاني المعروض على ملتقى الحوار يتعلق بالانتخاب المباشر، حيث ينتخب رئيس الدولة للمرحلة الانتقالية بطريق الاقتراع العام السري الحر المباشر وبالأغلبية المطلقة لأصوات المقترعين، وفي حالة عدم حصول أيّ من المرشحين على الأغلبية المطلوبة في الجولة الأولى، تنظم جولة ثانية خلال أسبوعين من تاريخ إعلان النتائج النهائية، للجولة الأولى. ويشارك في هذه الجولة المرشحان الحائزان على أكثر عدد من الأصوات.
ورغم أن هذا المقترح يحظى بالدعم الشعبي، إلا أن إمكانية فرضه ستواجه العديد من الصعوبات أهمها أن الإخوان وحلفاؤهم يرفعون شعارهم المعلن: انتخاب الرئيس من داخل البرلمان، أو تنظيم الاستفتاء على الدستور قبل الاستحقاق الانتخابي، وهو ما ترفضه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ويرى فيه الفاعلون الداخليون دافعا لتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، لتواصل الأقلية المهيمنة التحكم في مسارات الأحداث عكس إرادة الأغلبية المهمشة.