عباس البخاتي يكتب لـ(اليوم الثامن):
الساحة العراقية والمؤثرون الإقليميون
شهدت الساحة العراقية بعد عام ٢٠٠٣ صراعا لمختلف الإرادات، وهذا أمر متوقع لبلد بحجم العراق وإمكاناته وموقعه.
هذه الإرادات إتخذت اساليب مختلفة في تدخلاتها، حيث كانت تنطلق بناء على مصلحتها دون الاكتراث لمصلحة العراق وشعبه.
هذا الأمر معتاد في منهج أغلب الدول، خصوصا تلك التي تسعى لإثبات محوريتها ضمن المعادلة الدولية، وتعمل لتحصين كيانها وتحفظ أمنها القومي، جراء التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم.
تساؤلات كثيرة تدور حول مدى تأثر العراق، بحركة تلك الإرادات و إن كانت قوة الفاعل الخارجي وإمساكه بعدة مفاتيح، ستغير وقع هذا التأثير قبالة محاولات الأخرين؟أم إن ضعف العامل الداخلي وتفككه، وعدم إتفاقه على مشروع موحد، يأخذ بنظر الاعتبار أن العراق، فاعل ويتفاعل مع أحداث العالم الجارية؟
بناء على ما سبق فمن الواضح أهمية، ان يكون الموقف الداخلي موحدا، ولابد من تهيئة الأسباب الضرورية لمنحنا القدرة على المناورة إستعدادا لأي طاريء.
ربما تكون الإجابة على تلك التساؤلات متعددة، لكن تبرز مشكلة تتعلق بالقرار السياسي، الذي بات رهينة لمزاج طبقة، غير قادرة على التحليل الصحيح لما يجري، وفاقدة للرؤية والفهم للموقف المطلوب، لدرجة إنعدام الارادة لتنفيذ الخطوة التي يجب أن تتخذ كعلاج للازمة، أو ربما تجيد كل ذلك وتتعامى عنه!
لابد من الإعتراف بأن الواقع العراقي، ورغم مرور قرابة عقدين من الزمن على الإطاحة بنظام البعث، لازال في طور المرحلة الإنتقالية، التي غالبا ما يكون فيها الفاعل الخارجي وتأثيره، أكبر من الإمكانات الداخلية، إضافة إلى انه _ العامل الخارجي- له أسبابه التي يراها مثيرة لمخاوفه، وتزيد من دواعي قلقه من الاتجاهات التي سيذهب نحوها العراق "في حال توفرت له أسباب النهوض" وخشيته من تبنيه لمواقف يعتقد بتعارضها مع مصالحه.
بناء على ذلك لابد للدبلوماسية العراقية، من طمأنة جميع الأطراف وفرض الإرادة السياسية، المنطلقة من مصلحة الوطن، لإجبار الآخرين على سحب عصيهم من دواليب العجلة التقدم، كونهم يتحملون مسؤولية كبيرة لما جرى ويجري في العراق.
إن عدم مراجعة الفواعل الإقليمية والدولية لمواقفها تجاه العراق، يعطي فرصة جديدة لدعاة اللاإستقرار في هذا البلد، فهو يمثل فرصة ثمينة لهم، تمكنهم من الحفاظ على مكتسباتهم وهيمنتهم على مقدرات الدولة، حيث سيعمد كل طرف للتمترس خلف ما يعتقد بصحته لتبني هذا الموقف او ذاك.، خصوصا بعد ان جربت جميع الوسائل المسببة لعدم الإستقرار كالمفخخات والإرهاب والفساد والتدخل المباشر في القرار السيادي، ولم يكن إجتياح عصابات داعش حلقة أخيرة ضمن هذا المسلسل.
بعد فشل كل تلك الأساليب التي مورست لزعزعة الوضع العراقي، بات من غير المعقول الإعتقاد، بأن الإرادات الخارجية ستتخذ موقف المتفرج، دون البحث عن وسائل بديلة لعرقلة الوضع، وعليه كان لابد لهم من تهيئة أساليب وطرق جديدة، تتمثل بإحداث صراع داخلي ضمن المسميات العراقية الواحدة، مناطقية كانت ام مذهبية.. بذريعة حقة أحيانا كالخدمات والبطالة، وأسباب أخرى خصوصا بعد ان إطمأنت مراكز القوى الخارجية بتوفر أدوات التنفيذ.
هنا تاتي أهمية الإنتخابات المقبلة وضرورة المشاركة فيها، كأحد عوامل إيجاد التوازن المطلوب بين القوى المتصارعة، خصوصا تلك التي لا تجيد لغة الحوار والتفاهم، بل تعتمد السلاح سبيلا لفرض الذات وإثبات الوجود.. في خطوة نحو تحجيم أثرها، وصولا لمنعها من بناء الدولة التي يحلم بها العراقيون.