عبدالواسع الفاتكي يكتب لـ(اليوم الثامن):
تلبية المطالب وضبط بوصلة الاحتجاج في تعز
تدشين فعاليات احتجاجية في تعز ؛ تنديدا بالفساد وغياب الخدمات ، ناهيك عن انهيار العملة الوطنية ، ورقة يجب أن تلتقطها السلطة المحلية وتستثمرها ، وتزيل عنها الحرج فيما لو كان موجودا ، وتشرع في الاستجابة ، لمطالب الناس في تقييم عمل الإدارات الخدمية ، وتنحية كل من تلوثت يده بالعبث ، وإهدار المال العام، أوقصر في المسؤوليات الملقاة على عاتقه .
شاركت في مسيرة الخميس 2021/5/27 م، وبقدر ما كانت الدواعي لها مبررة ومنطقية ، بقدر أيضا توجسي وقلقي من القادم القاتم ، ومما قد يحاك لتعز مجتمعا وسلطة وأحزابا ، الشباب متحمس وله ما يجعله يفقدالأمل ، الأحزاب في ظني وصلت لدرجة كبيرة من التبلد أو الفشل أو اللامبالاة ، هناك نقمة كبيرة من الشارع عليها وتذمر كبير من دورها وموقفها مما يحدث .
في 2011 م ثار الشعب اليمني على فساد السلطة ، ولأن الثائرين لم يسألوا أنفسهم ، ماذا بعد ؟ ولم يقرؤوا المشهد من كافة جوانبه ، انحرفت الأمور ، واتجهت نحو انقلاب حوثي مليشياوي ، مرتبط بأجندة خارجية ، أسقط الدولة ، وأدخل البلاد في حرب ، أكلت الأخضر واليابس ، واليوم أخشى أن يثور أبناء تعز على فساد الشرعية ، فتسقط الشرعية ولا يسقط الفساد .
الصمت وتجاهل الحراك المجتمعي في تعز خطر ، يفتح الباب أم احتمالات سيئة لا تخدم تعز مطلقا ، لتبادر السلطة المحلية بالجلوس مع المكونات المجتمعية ، بعيدا عن الأحزاب التي عليها أن تتوارى ؛ لتتيح المجال لقيادة السلطة المحلية في تعز للجلوس مع المكونات التعزية بمختلف أطيافها الاجتماعية والصحفية والإعلامية والحقوقية ؛ لعقد مؤتمر لإنقاذ تعز ، للخروج بخارطة طريق مزمنة ، لحل القضايا والمشكلات الخدمية كمشكلة النظافة والكهرباء والمياه ، مع وجود لجان رقابية مجتمعية تمثل وسيطا بين السلطة المحلية والجماهير ، التي تطلعها تلك اللجان على سير تنفيذ ما اتفق عليه ، وتضع يدها على أماكن الخلل وأوجه القصور .
بدلا من أن تنأى الأحزاب بنفسها ، عن المشاركة في تحمل مسؤولية الوضع المتردي القائم ، وتترك السلطة المحلية في تعز في مواجهة الشارع ؛ فلتقم السلطة المحلية بإشراك الجميع مكونات مجتمعية وشبابية ، في تقاسم الحلول للمعضلات ، فتعز مسؤولية الجميع ، ولن تخرج من هذا المأزق إلا بالجميع .
اقترح بعض الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي أسماء عدة ؛لشغل منصب محافظ تعز ، والبعض الآخر اقترح مجموعة من الأسماء كلجنة رقابية مجتمعية ، الأمر الذي فتح باب الجدل ، وأثار لدى بعض الناشطين تكهنات كثيرة ، وأثار حفيظة جزء آخر ، ليست المشكلة في استبدال شخص مكان آخر ، أو خلو مقعد ليملأه ناشط حقوقي أو شخصية اجتماعية أو أحد الثوار الشباب ، فهذا لن يغير من الأمر شيء ؛ لأنا أمام منظومة سلطوية متداخلة ومتشابكة ، لم تصل للوضع المؤسساتي الذي يؤهلها للعمل وفقا للقانون والدستور ، دون أي تأثيرات سلبية ، فيما لو تم تغيير قياداتها ، ومن ثم فالمخرج هو قعود السلطة المحلية مع كافة مكونات تعز الثورية والمجتمعية والسياسية ؛ للخروج بتصور شامل وواضح ، بآلية تنفيذية مزمنة ؛ لحلحلة كثير من القضايا الخدمية ؛ لتأخذ طريقها نحو الحل ، إضافة لإقالة مدراء المكاتب التنفيذية ، الذين فاحت رائحة فسادهم ، واستبدالهم بكفاءات مهنية نزيهة .
ندرك تمام الإدراك أن الحالة المزرية التي وصلت لها تعز ، أوصلت الناس لقناعة تامة بضرورة الخروج للشارع ، لكن يبقى السؤال ، هل كل مشاكل تعز ستحل ؟ فيما لو غادر طاقم السلطة المحلية أماكنهم ، وأفسحوا المجال لقيادات جديدة أن تتولى زمام القيادة ، هل هذه القيادات الجديدة ستجترح الحلول ؟ وستحل الإشكالات القائمة ، هل الأحزاب ستترك القيادات الجديدة تعمل دون تدخل ؟ وهل من فقد مصالحه سيسكت على الأقل إن لم يتجه للعرقلة والإعاقة ؟ هل للقيادات الجديدة التي ستأتي من أوراق القوة والنفوذ ؟ ما يؤهلها للبدء بعملية إصلاح مالي وإداري ، أو في الحد الأدنى تضييق الخناق على الفاسدين ، وبتر أيديهم من الوصول للمال العام، لست في سياق الدفاع عن قيادة السلطة المحلية الحالية ، هي تساؤلات علينا أن نضعها على الطاولة ، والإجابة عليها هي التي يفترض أن تكن موجهة لنا ، في حراكنا الجماهيري الضاغط على السلطة المحلية .
تنحي قيادة السلطة المحلية ، وطلوع قيادات جديدة ، ليس الحل السحري الذي سيحسن الأوضاع ، ويطبعها ، واعتقاد الثائرين والثائرات بأن تحقيق هذا الهدف ، يعد انتصارا على الفساد والفاسدين، يعد سطحية في الرؤية ، إذ أنا هنا نتساءل، ما هي الأدوات التي يستطيع من خلالها الحكام الجدد أن يوفروا الخدمات ؟ ويعالجوا كثيرا من الإشكاليات ، هل بمقدورهم أن يحجموا دور مراكز النفوذ والقوى التي تشكلت بفعل ظروف الحرب والحصار ؟ كي لا تعيق أي دور لبناء مؤسسات الدولة بالشكل السليم .
تعز في مفترق طرق ، وأخشى من أن تتجاوزنا الأحداث ، وأن تسلم تعز للمجهول وأن نصحو فجأة على فراغ في تعز ، تملؤه عصابات أو جماعات ، لذا فالجميع الآن مطالب باستشعار المسؤولية والإحساس بالخطر ، ابتداء من قيادة السلطة المحلية ، ثم الأحزاب والقوى الاجتماعية والمكونات الشبابية والحقوقية والصحفية والإعلامية ، بأن يجلسوا على طاولة الحوار ، وأن يكاشفوا بعضهم البعض ، وأن يعترفوا بأخطائهم ؛ تمهيدا لعلاجها ، وأن يفتحوا الباب لدور مجتمعي رقابي ، وأن تتوارى الأحزاب جانبا ، وتأخذ استراحة من المزايدات والمناكفات ؛ لنسد الباب أمام من يتربص بتعز ونفوت الفرصة لمن يتسلل من بين المطالب العادلة ، التي تطالب بها الجماهير المتعبة ، لنكبر بقدر تاريخ وتضحيات تعز ، لا مفر من الحوار والحوار فقط .