محمد خلفان يكتب:

العراق بعيون إماراتية

مع كل حدث سياسي وأمني في العراق، كالذي حدث يوم الأربعاء 26 مايو بعد اعتقال قاسم مصلح أحد قادة “الحشد الشعبي” والمتهم بقتل عدد من النشطاء العراقيين آخرهم إيهاب الوزني الذي كان ينتقد كثيرا تصرفات ميليشيات الحشد الخارجة على سيادة الدولة العراقية ومصالح شعبه، تثور حملة انتقادات إعلامية ضد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي وتتهمه بالضعف والتراجع أمام مجموعة خارجة على القانون وتتفنن في التقليل من الإنجازات التي حققها، والتي هي مهمة في الوقت الحاضر حتى وإن كانت إنجازات معنوية فقط.

في تقدير المتفائلين، وأنا منهم، أن الكاظمي استطاع أن يخرج بالعراق في عام واحد بصورة مختلفة جدا عما كان عليه خلال السنوات السبع عشرة الماضية في مختلف الجوانب السياسية منها والاجتماعية، وكانت مواجهة ميليشيات الحشد وتشتيت علاقتها بالحرس الثوري الإيراني هما النقطة الأهم.

الحقيقة التي لا يمكن لأحد أن يجادل فيها أن الحشد الشعبي هو “أم أزمات العراق”، من ناحية إخلال الاستقرار والتشكيك في هيبة الدولة وانتشار الفساد المالي والسياسي، إما نتيجة لموافقة بعض السياسيين العراقيين ضمنيا على الدور السلبي للحشد والسكوت عنه، أو خوفا من رد فعل قادة الحشد خاصة قيس الخزعلي وغيره من القيادات المتهورة والتي قبلت أن تكون أذرعا لإيران في العراق حتى وصل بها الأمر أن تتجاوز دعوات المرجعية الشيعية في العراق علي السيستاني، أو حتى الانصياع لأوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة.

الكاظمي استطاع أن يخرج بالعراق في عام واحد بصورة مختلفة جدا عما كان عليه خلال السنوات السبع عشرة الماضية في مختلف الجوانب السياسية منها والاجتماعية

في الحقيقة نجح الكاظمي، ولو بدرجة بسيطة، في معالجة العديد من المشكلات وبث الروح في الدولة العراقية من خلال تأسيس أرضية لعودة دور الدولة والحد من نفوذ إيران وأتباعها من خلال تجسير العلاقات مع العديد من دول العالم والدول العربية وخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، الدولتان الداعمتان لاستقرار العراق. وأيضا من خلال تنظيف المؤسسات الأمنية والعسكرية من الطائفيين والفاسدين حتى أن لغة وزير الدفاع جمعة عناد في رده على الميليشيات الجمعة الماضي كانت الأكثر جرأة وشجاعة لأول مرة منذ تأسيس الحشد في 2017. وذكر أن همَّ الكاظمي في ألا تتسبب مغامرات البعض لجره نحو حرب أهلية في العراق لأن “الدم الإنسان العراقي غال”، ومن عدم الإنصاف أن يشن البعض هجوما على رئيس الوزراء بمجرد أنه يرفض الانجرار إلى استخدام القوة العسكرية حتى لا يتسبب في خسائر كبيرة لأرواح العراقيين، أو أن يقتصر التقييم على موقف فقط دون النظر إلى الصورة الكاملة.

صحيح أن الآمال المعلقة على الكاظمي منذ استلامه للحكومة في مايو 2020 كانت كبيرة، انطلاقا من حالة الدعم المعنوي من “التشرينيين” (نسبة إلى الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في أكتوبر عام 2019). وانطلاقا من حالة التأييد الدولي لمشروعه السياسي أو بالأصح المنهاج الحكومي له، لكن العقبات والصعوبات التي واجهته بدءا من حالة تراكم الأزمات كلها (السياسية، والاقتصادية، والأمنية بالإضافة إلى أزمة كورونا) تكون حكومته بمقياس النتائج التي حصلت على الأرض العراقية وبمقياس المكانة الدولية للعراق التي توجتها زيارة البابا في فبراير الماضي إضافة إلى المشروعات والمبادرات للنهوض بالعراق، من أنجح الحكومات السبع التي مرت على العراق منذ 2003 أيام إبراهيم الجعفري.

قد نجد مبررا لتقييم عامة الناس لتجربة الكاظمي بأن التوقعات الكبرى هي التي ظلمته، ولكن من المعيب أو عدم الإنصاف أن يأتي التقليل ممن يدركون الوضع العراقي الحقيقي من المراقبين والمتابعين للمراحل التي مر بها العراق خاصة في عهد نوري المالكي، الذي تعتبر مرحلته من أسوأ فترات الدولة العراقية من ناحية التلاحم الوطني.

ويزيد هذا الإجحاف بشكل خاص إذا وضعنا في الاعتبار أن الكاظمي وضع أسسا جديدة لعراق المستقبل أو عراق ما كان يفترض أن يكون عليه ما بعد 2003، فحتى لو لم يشكل هو الحكومة القادمة بعد الانتخابات التشريعية في أكتوبر القادم فإن أي رئيس للحكومة القادمة سيضع في اعتباره ما فعله الكاظمي لاستعادة الدولة العراقية.

اعتقال قاسم مصلح وطريقة إدارة حكومة الكاظمي لتداعيات الأزمة مع ميليشيات الحشد التي أجبرت القوى السياسية العراقية الأخرى على تأييد إجرائه، رغم كل الضغوط التي مورست عليه بما فيها من إيران، هي شهادة اعتراف جديدة على أن الكاظمي يسير نحو استرجاع المكانة الطبيعية للعراق في إقليمه وفي العالم، رغم كل التشكيك.