خرافة التدخل الإيراني في الجنوب
لست من محبي الإجابات بـ«لا» أو «نعم» على الأسئلة المتصلة بالقضايا الملتبسة والشائكة، كالعلاقات العربية الإيرانية وثنائية السنة والشيعة، وما شابهها من القضايا التي يتطلب الغوص فيها قدراً من البحث والتنقيب والتحليل للمعطيات والقرائن، فلكل «لا» أسباب وقرائن ومبررات تتطلب الدراسة والتحليل والاستقراء، ولكل «نعم» أسباب وحيثيات ومبررات لا بد من تناولها بالدراسة والقراءة والتعليل.
لقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التدخل الإيراني في الشأن اليمني من خلال الكثير من الأخبار التي تتحدث عن حضور إيراني في الجنوب بعد أن كان الحديث عن التدخل الإيراني يقتصر على صعدة والصراع بين السلطة والحوثيين.
ويروج الكثير من المواقع الصحفية والإلكترونية أخبارا عن دعم إيراني للحراك السلمي الجنوبي أو زيارات لبعض القادة الجنوبيين في الخارج لإيران، أو عن استدعاء السلطات الإيرانية لبعض نشطاء الحراك السلمي لحضور بعض الفعاليات السياسية التي تنظمها (تلك السلطات والمنظمات المرتبطة بها) وللأسف الشديد فقد صدق بعض الكتاب والناشطين الجنوبيين حكاية كهذه وصدرت تصريحات عن بعض من يفترض أنهم قادة جنوبيون يشيرون بما يشبه التأكيد أو الترحيب بالزج بإيران في المشكلة الجنوبية.
أقول هذا مع الإشارة إلى أن أية علاقة مع إيران أو المشاركة في أية فعاليات سياسية أو فكرية أو ثقافية تدعمها إيران هنا أو هناك لا يمثل أي جناية وهو لا يختلف عن العلاقة أو المشاركة في أية فعالية من تلك التي تدعو إليها الدول والمنظمات الشقيقة والصديقة الأخرى.
إن الحديث عن إيران يترافق مع استحضار مشاعر عدائية تصور إيران على أنها عدو غادر يفترس المحيط العربي المجاور له ويهدده، ولذلك يأتي التعامل معه بعدائية وخصومة مبالغ فيها، ومعظم الذين يتحدثون عن ذلك كانوا قد أكلوا على موائد إيران وانتفعوا بدعمها ومساعدتها بل وهناك زيارات متبادلة بين الزعامات اليمنية والإيرانية التي كانت فيها إيران هي المانح والجانب اليمني هو المستفيد من المنح، ولا تصور إيران كعدو إلا عندما يتعلق الأمر بالمساس بمصالح المتنفذين وأصحاب تلك المصالح أما عند تقديم المعونات والهبات والخدمات فإن إيران تظل الدولة الإسلامية الشقيقة التي لا خلاف معها ولا موقف عدائي تجاهها.
إن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن إيران عبارة عن ملاك طاهر لا أهداف لديه ولا مطامع، أو إن إيران عبارة عن جمعية خيرية توزع العطايا والمنح لوجه الله، كما إنها ليست شيطانا رجيما ينبغي النظر إليه بهذا القدر من الخوف والريبة والعدائية كما يفعل بعض المسئولين الحكوميين وبعض كتبة السلطة ومداحيها.. فإيران مثل أي دولة من الدول المجاورة لنا وغير المجاورة لها مصالحها وأجنداتها وأهدافها التي قد يكون منها ما هو مشروع، وقد لا نستبعد وجود أهداف وأجندات مريبة لكن السؤال الأهم هو: من الذي أوصل اليمن إلى أن تصبح نهبا لمن هب ودب، وترك بواباتها ونوافذها مفتوحة لكل الرياح والعواصف وما يترافق معها من سموم وأوبئة ومن أضرار وعواقب؟ وما الذي يمكن أن تستفيده إيران من التدخل في الشأن اليمني، والجنوبي منه على وجه الخصوص؟ ثم ماذا سيستفيد المستبشرون بالتدخل الإيراني في اليمن وفي الجنوب على وجه الخصوص؟
لقد أخفق النظام السابق في كل شيء إلا في شيء واحد وهو تفكيك البلد وتحويلها إلى مجموعة من العزب التي يمتلكها رأس السلطة وأقاربه والمرتبطين به، بينما تحول المواطنون إما إلى مجرد دافعي ضرائب لتموين مراكز الفساد أو متسولين في الداخل والخارج، بحثا عن لقمة عيش ومسكن لم توفره لهم السلطة التي تتحكم في ثروات وموارد بلادهم، وبمقابل ذلك فشلت السلطة في بناء منظومة حكم تعبر عن روح وهوية المواطن، ناهيك عن تنمية الفقر وتغييب الخدمات والعبث بالأمن وإزهاق الأرواح وإراقة دماء اليمنيين، ما جعل المواطن اليمني يشعر بالاغتراب عن وطنه حتى وإن كان مقيما على أرضه.
في هذا السياق المشوش تعمدا أو مصادفةً وفي سياق الحديث عن التدخل الإيراني في جنوب اليمن لا بد من ملاحظة التالي:
1. إن إيران تعاني من الحصار الاقتصادي والسياسي ما يجعلها في غنى عن البحث عن مناطق تدخل جديدة ليست واثقة من إنتاج مصالح جديدة لها، ومن هنا فإن حضورها في اليمن وفي الجنوب على وجه الخصوص لن يكون أكثر من فزاعة يمكن أن استخدامها لابتزاز الجيران من قبل إيران نفسها للإيهام بأن لديها ما يمكن أن تفعله في هذه المنطقة، وربما من قبل مروجي هذه الحكاية بغرض تخويف الجوار من خطر وهمي أكثر منه خطر حقيقي.
2. إن اليمن لديها من مخاطر التفكك والانهيار ما يكفي، ولذلك لن يكون التدخل الإيراني في الجنوب، أو بالأصح حضورها السياسي ، إن وجد، أكثر خطرا من مخاطر الانهيار الاقتصادي والأمني والتفكك الوطني والاجتماعي الذي تعاني منه اليمن بسبب رداءة الإدارة السياسية للبلاد وما نتج عنها من مضاعفات لا يمكن حصرها.
3. إن الاعتقاد بأن إيران سيكون لديها ما يمكن أن تقدمه لليمن أو للجنوب مما قد يفيد إنما هو اعتقاد واهم لا ينبني على معطيات دقيقة ناهيك عن إنه يقدم أصحابه على إنهم لا يمتلكون مشروعا وطنيا مقنعا للشعب، ذلك إن الشعب لا يراهن على ما سيأتي به الخارج من عطاءات، بقدر ما يظل الرهان على أن يبقى الشعب هو صاحب المشروعية الأولى والأخيرة ويبقى تمسكه بحقه هو العامل الأساسي والمقرر في صناعة نتائج الأحداث في البلاد.
4. إن الهدف من التخويف من التدخل الإيراني هو شيطنة الحراك الجنوبي وتأليب الشعب اليمني ضده باستغلال التخويف من المد الشيعي الذي لا توجد له أرضية في الجنوب، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى على الذين يهللون لهذا التدخل أو يرحبون به أن يعلموا أنهم يضرون بالقضية الجنوبية أكثر مما يخدمونها، لأن إيران ليس لديها ما تقدم غير محاولة نشر المذهب الشيعي الذي ليس له من الأنصار في الجنوب إلا ما لا يتجاوز العشرات.
5. كما إن النظام السياسي في إيران ليس النموذج الجاذب لكل من يبحث عن الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والدولة المدنية، وتلك هي مطالب معظم فصائل الحراك الجنوبي السلمي، وأقول السلمي للتمييز بين التيارات المدنية في الحراك وبين أنصار الأمن القومي والأمن السياسي الذين تسللوا إلى الحراك وبدأوا تارة يدعون إلى الأعمال المسلحة وتارة يدعون إلى محاربة الأحزاب والقوى السياسية، وتارة ثالثة ينادون بمحاربة كلما يمت بصلة إلى كلما هو يمني.
برقيات:
* لا أفهم من يقف وراء توتير الأجواء في مدينة عدن وافتعال التناحر بين شباب الثورة وشباب الحراك، لا يمكن لشباب الحراك أن يقدموا قضيتهم من خلال ممارسة العنف تجاه الآخرين، ولا يمكن لشباب الثورة أن يخلطوا بين صراعهم مع بقايا النظام وصراعهم مع إخوتهم في خندق النضال، أين ذهب العقلاء؟ ثم أين السلطة المحلية لتردع مرتكبي جرائم العنف؟
* هذا ينطبق على ما تعرضت له مسيرة القدر التي تحركت من تعز لتقدم تحية لأبناء الجنوب.. قال البعض إنها جاءت لتعزز (الاحتلال)، وقال آخرون إنها مكلفة من حزب الإصلاح.. وماذا ستضيف هذه المسيرة إلى (الاحتلال) إذا كان قد مضى عليه 18 عاما دون أن يتغير؟... يا هؤلاء: قضايا الحق لا تقدم بوسائل الباطل، عودوا إلى حراك 2007 الذي أذهل العالم بزخمه وسلميته وروعته، واحذروا من المندسين والمزروعين بين صفوفكم.
* قال الشاعر والأديب الفيلسوف جبران خليل جبران:
فقد يضام قوي عزم طــــــــمعهُ ولا يضام ضـعيف فيهم طموعُ
كم صــــائد صاد ما يرديهم أكلهُ وصارع بات حقا وهو مـصروعُ
بئس الفريسة عظم لا اهتياض لهُ يغري به الحتف ذئبا شفه الجوعُ