محمد خلفان يكتب:

هل يكون رئيسي المرشد القادم؟

الكل تقريبا كان يدرك أن إبراهيم رئيسي هو الرئيس القادم لإيران لسبب بسيط أنه لا توجد أي دلائل أو إشارات من داخل إيران على وجود عملية انتخابية مهمة وحقيقية ويفترض أنها تنافسية.

فلو كانت هذه الانتخابات في أي دولة غربية أو حتى دولة متوسطة العراقة في الديمقراطية وحرية التعبير، لشهدت فعاليات وحملات انتخابية موسعة ومتابعة إعلامية مكثفة وتفصيلية. فالعلامة الوحيدة على وجود شيء اسمه انتخابات في إيران، هو استياء بعض المرشحين الذين تم استبعادهم بواسطة مجلس صيانة الدستور. والذي دفع بعضهم إلى إعلان انتقاده لتغوّل دور المجلس ومصادرته لإرادة الناخبين عبر عملية الفرز والتصفية المسبقة للراغبين في الترشح لمنصب الرئيس.

في الانتخابات التي جرت الجمعة الماضي، كان واضحا تماما من قرارات القبول والاستبعاد أثناء عملية تسجيل المرشحين، أن هناك رغبة قوية في إفساح الطريق للرئاسة أمام مرشح واحد دون غيره، هو رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي. فقد كان المرشح الأقوى بل الوحيد المؤهل لحصد أصوات الناخبين، ليس لتميّزه أو قوته السياسية مقارنة بالمرشحين الآخرين، وإنما لاستبعاد الآخرين الأقوياء.

وليس جديدا أن العملية الانتخابية في إيران، مقيّدة بإرادة المرشد الأعلى علي خامنئي، ولو بشكل غير مباشر، فلمجلس صيانة الدستور صلاحيات مطلقة في قبول أو رفض أي مرشح، تحت معايير عامة ومبرّرات مطاطية للمجلس وحده حق تفسيرها واعتبارها متوافرة في مرشح وغائبة عن آخر.

وحين لا يكون من بين المرشحين من يملك كاريزما أو تاريخا سياسيا سوى واحد فقط أو اثنين على الأكثر، فإن العملية برمتها تصبح في النهاية أقرب إلى التزكية أو الاستفتاء. ودائما يختار الناخبون الشخص المفضل لدى السلطة الحاكمة، خصوصا في ظل دعم إعلامي وترويج كبير ليس فقط من جانب مؤسسات الحكم، لكن أيضا بواسطة النخب الموالية.

وفي الحالة الإيرانية فإن تلك النخب تلعب دورا مهمّا وحاسما في التأثير على الرأي العام، بالإقناع وليس فقط بالإجبار. فهو مجتمع يتمتع فيه رجال الحوزة (النخب الدينية) بوضعية متميّزة ومكانة رفيعة. وكذلك أهل البازار (رجال التجارة والأعمال)، إضافة بالطبع إلى الدور التنظيمي والتعبوي الضخم الذي يقوم به الحرس الثوري مستخدما إمكاناته وأدواته وتغلغله في مختلف مفاصل الدولة والحياة العامة في إيران، لحشد الناخبين وتوجيههم ليس فقط إلى المشاركة لكن أيضا إلى التصويت لصالح مرشح بعينه. وبالطبع تصير العملية التوجيهية هذه أسهل كثيرا في حالة غياب منافسين أقوياء، حيث توفر التصفية التي يقوم بها مجلس صيانة الدستور مشقة المفاضلة والاختيار بين المرشحين.

ويدرك من يعلم ولو قليلا عن تركيبة واختصاصات مؤسسات الحكم في إيران، أن قرارات مجلس صيانة الدستور ليست إلا تجسيدا لإرادة السلطة الأعلى وهي المرشد، ولولا أن للمرشد مكانة تعلو كل المؤسسات والمناصب، لما صدر قرار في كل كبيرة وصغيرة ولا اتخذت خطوة مهما كانت بسيطة، إلا بقرار مباشر منه. ويتولى هذه المهمة بالإنابة مجلس صيانة الدستور الذي يلعب دور يد المرشد ولسانه. ويتحمل في الوقت نفسه ردود الفعل والانتقادات التي لا يمكن لأحد توجيهها إلى المرشد مباشرة، رغم أن كل الإيرانيين على يقين بأن ما يصدر عن المجلس هو ترجمة لإرادة ورغبات المرشد.

ومعنى ذلك أن المرشد علي خامنئي، كان يريد منذ بداية الانتخابات إبراهيم رئيسي ليكون رئيسا لإيران وقد حصل ذلك فعلا ومن الجولة الأولى. وهو ما يفسره البعض بالرغبة في إحكام سيطرة المحافظين على مؤسسات الحكم كاملة. وهو تفسير صحيح لكن ليس هذا هو السبب الوحيد، وإلا ما تم استبعاد علي أكبر ولاياتي ومحمود أحمدي نجاد فهما من عتاة المحافظين.

التفسير الأقرب في نظري هو أن لرئيسي ثقلا ومكانة لدى دوائر الحكم الإيرانية أكبر من كل منافسيه، إلى حد أنه المرشح الأوفر حظا لخلافة خامنئي في منصب المرشد. وسيكون توليه الرئاسة الخطوة الأخيرة في عملية تأهيله للمنصب الأكبر، وتأكيدا نهائيا لتزكيته من جانب خامنئي لخلافته، خاصة أن خامنئي نفسه كان رئيسا قبل أن يعتلي منصة الإرشاد بعد وفاة الخميني.

الآن وبعد أن صار رئيسي رئيسا لجمهورية إيران الإسلامية، فإن توليه منصب المرشد الأعلى بعد خامنئي سيرسخ قاعدة جديدة تضاف إلى خصوصيات السياسة والحكم في إيران. وهي أن الرئاسة في إيران هي الباب الأخير قبل الجلوس على مقعد المرشد، فهل يحدث ذلك؟