د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
كيف ضاعت هوية الجنوب العربي؟.. التخلص من سالمين (3-5)
من أهم الأسباب لقيام العنصر اليمني ومن ساروا في ركابه لتصفية الرئيس سالم ربيع علي الذي شعر بخطورة اللوبي اليمني في مفاصل الحزب والدولة الجنوبية، واستشعر الخطر المحدق بالجنوب وأهله من خطورة ذلك اللوبي.
وقد شكل ذلك لديه هاجسا يشغل باله، وقد تنبه اللوبي اليمني لما يدور في ذهن سالم ربيع وسعى ذلك اللوبي إلى استنفار واستحضار كل أعوانه ومقدراته وسمح لبعض الأحزاب المشبوهة الولاء مثل:
"حزب اتحاد الشعب الديمقراطي" الموالي لموسكو، ومنظمة حزب البعث العربي الاشتراكي من خلال الحوار الذي بدأ بينها وبين الجبهة القومية والتي توجت في فبراير عام 1975م بعقد المؤتمر التأسيسي لـ " التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية"
مما أدى إلى تقوية الشمولية كخيار سياسي وحيد وحظر التعددية السياسية نهائيا، وتطبيق التجربة الاشتراكية للمعسكر الشيوعي حرفيا، وكان ذلك الاندماج يشكل الجزء الأكبر من العنصر اليمني في ذلك التكتل الجديد.
وبعد تلك العملية بدأ الصراع بين التيار الجنوبي واليمني داخل النخب السياسية من أجل تشكيل "حزب طليعي من طراز جديد" !! والذي يحاكي أي حزب شيوعي في المعسكر الاشتراكي .
ومن اجل ذلك بدأ الصراع بين النخب السياسية وانقسمت إلى تيارين متضادين يتزعم الأول سالمين والآخر عبد الفتاح إسماعيل .
وقد اتضح أن الرئيس سالمين قد استشعر الخطر خاصة وان أغلب العناصر اليمنية تشكل غالبية الأحزاب المنضوية في إطار التنظيم الجديد .
وهذا يعني في المحصلة السعي لتصفية العناصر الجنوبية في مراكز القيادة في الوقت الذي كان سالمين يسعى حثيثا للخروج بالجنوب من عزلته العربية والاسلامية مما جعل أعداؤه يتربصون به, وقاموا بحشد الرافضين لتوجهاته وحشد الناقمين عليه ليس من أجل إزاحته عن السلطة بل لإعدامه هو وبقية رفاقه في انقلاب يونيو 1978م، وتحميله أوزار وأخطاء وسلبيات المراحل السابقة التي تمت في عهده وهو ليس إلا شخص واحد في طابور طويل من القيادات الحاكمة، علما ان قيادة الحزب هي التي تضع سياسية الدولة وهي من يتحمل وزر تلك المرحلة.
واتهم الرجل بسلسلة من الاتهامات منها الانعزالية والمغامرة والانتهازية علما أن قيادات الحزب تتصف بتلك الصفات بل والنظام السياسي كله يتصف بها، واتهم سالمين بأنه من نقل التجربة للبلاد من البلدان الاشتراكية مثل:
التأميم، والانتفاضات الفلاحية، ومزارع الدولة وغيرها من التجارب المستوردة التي طبقت في الجنوب !!
كما جرى الصاف تهمة اغتيال الرئيس الغشمي بسالمين وذلك انتقاما من اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي الذي كانت تربطه بسالمين علاقات وثيقة وصداقه شخصية!!
وكان انقلاب يونيو 1978م وقصف دار الرئاسة في التواهي بسلاح الطيران دليلا فاضحا على تلك المؤامرة الدنيئة، ومن سلم من قيادات الجنوب في تلك المذبحة تم القبض عليه واعدم بطريقة مذلة ومهينة.
وسيق المئات من الجنوبيين إلى المعتقلات بسبب انتمائهم إلى جناح سالمين وفقدوا وظائفهم وتمت تصفية العشرات منهم، وبقي البعض في غياهب السجون!!
وقد أدى ذلك كله إلى تقوية العنصر اليمني وفاعليته داخل الحزب والدولة.. بل واستفحل نشاط ذلك العنصر بالتوسع في تشكيل وحدات عسكرية ومليشيات مسلحة تحت مسميات عدة تابعه للجبهة الوطنية وحزب الوحدة الشعبية مما عزز من موقف عبد الفتاح إسماعيل الذي عاد إلى هرم الدولة والحزب .
وذهب للقاء علي عبدا لله صالح في الكويت عام 1979م للاتفاق على وحدة فيدرالية بين اليمن والجنوب وكلاهما يمنيان يقرران مصير شعب الجنوب العربي فيما بينهما !!
و ازدادت الفجوة اتساعا بين العناصر اليمنية والجنوبية مما مهد لاحقا لإرهاصات13 يناير عام 1986م.. حيث كانت مقدماتها تعيين عبد الفتاح إسماعيل رئيسا لمجلس الرئاسة وفي الوقت نفسه كان سكرتيرا للحزب الاشتراكي اليمني ويعتبر ذلك تقليدا سائدا في المعسكر الشيوعي !!
وبرزت أزمة جديدة داخل النخبة السياسية وهي ظهور عجز عبد الفتاح إسماعيل عن القيام بدوره و بواجباته في الحزب والدولة، وقد أدت تلك الأزمة إلى إسناد رئاسية الدولة إلى علي ناصر محمد الذي كان يشغل أيضا رئاسة الحكومة.
. وتردد الجنوبيون في ظل الانقسام الحاد بينهم في مسألة حسم الصراع مع العنصر اليمني.. ولم يحسموه معهم في قيادة الحزب..!
واستطاع العنصر اليمني أن يقنع الجنوبيين المترددين أن الأزمة الناشئة هي صراع أيدلوجي بحت !!
مما أدى إلى وقوف نسبة كبيرة من الجنوبيين في صف عبد الفتاح إسماعيل رغم قرار إبعاده إلى موسكو!!
وقد ترتب على ذلك الفصل من العمل السياسي والوظيفة أو الإبعاد والنفي خارج البلاد أو الإعدام كما حصل لكل من :
محمد صالح مطيع، وحسين محمد قماطه.
وعند تولي علي ناصر محمد قيادة الحزب قدمت القيادة برنامجا إصلاحيا حاولت فيه تلمس أخطاء المرحلة السابقة ووضع الحلول المناسبة لمعالجتها وتحقيق تنمية حقيقية.
وعندما بدأت تظهر للعلن تلك التوجهات الإصلاحية الجديدة كان اللوبي اليمني حاضرا وبقوة وحشد أنصاره وأوهم الجنوبيين المتعاطفين معه أن تلك الأعمال الإصلاحية تسيرها عناصر يمينية مما أدى إلى تمزيق النخبة الجنوبية وانقسامها بين مؤيد ومعارض لتلك الإصلاحات واستخدم اللوبي اليمني ورقة المناطقية سلاحا حادا وعنوانا لمرحلة الصراع القادمة.
والى اللقاء في الحلقة الرابعة
د. علوي عمر بن فريد