د. علي الخلاقي يكتب:

علي الحاج بين يافع وحضرموت والمهجر

تكشف لنا الوثائق التاريخية التي يزخر بها أرشيف أسرة آل علي الحاج، الكثير مما نجهله عن تاريخ هذه الأسرة العريقة المنتشرة أرومتها في أصقاع كثيرة من المعمورة. وهي من أكثر الأسر انتشاراً في حضرموت، بشكل خاص، وبرز منها العديد من الشخصيات التي تركت بصماتها في تاريخ حضرموت في مراحل مختلفة، والفضل في ذلك بعد الله لتجاوب الشاب عبدالناصر بن صالح بن علي الحاج الذي استضافنا ووضع ارشيفهم الأسري بين أيدينا، خاصة في الوثائق والمراسلات ذات الصلة بالأحداث العام وعلاقة يافع وحضرموت والمهجر.

 

وكما روى لي الوالد الشيخ صالح بن صالح الدحيمي الحوثري، في اتصال هاتفي بعد أن علم بزيارتي لقرية "ريد"، فأن أعداد آل علي الحاج الحوثري في حضرموت تفوق كثيراً أعدادهم في يافع، وعزا ذلك كما روى أسلافه أنه كان منهم 80 مقاتلاً ممن لبوا نجدة مولى عينات والسلطان الكثيري بدر بن طويرق "المردوف" في حملة يافع لاخراج الزيدية من حضرموت سنة 1117هجرية بقيادة السلطان عمر بن صالح بن هرهرة. 

ولا غرابة في ذلك، فهناك الكثير من الشواهد التي تؤكد هذه الحقيقة، فوثائق آل علي الحاج المحفوظة في موطنهم الأصلي في يافع، في قرية (ريد) العريقة، تتحدث في غالبيتها عمَّن استقروا في حضرموت، خلال مراحل تاريخية مختلفة، حتى أصبحوا جزءاً أصيلاً من نسيج المجتمع الحضرمي وبرزت منهم شخصيات يشار إليها بالبنان في مختلف المجالات.

وإذا انحصر وجود آل علي الحاج في يافع في إطار قريتهم الرابضة فوق تلة تحمل اسمها (رِيْد) وتأسر أنظار المارين والزائرين ببقايا حصونها المنيعة، وأبرزها حصن "ريد" الذي شيدت بجانبة منارة حجرية في المسجد المجاور للحصن،  فأننا نجد أن آل علي الحجاج أكثر حضوراً وانتشاراً في مناطق حضرموت وبأعداد كبيرة جداً، فلهم في القطن "ساحة آل علي الحاج"، ولهم فيها حصون وقصور قديمة، تهدم بعضها بفعل السيول،  وبلغ تعدادهم فيها 2308 نسمة حسب تعداد اليمن لعام 2004م، منهم 1٬234 من الذكور و1٬074من النساء، موزعين على242 أسرة،  وعدد المساكن 247 منزلاً. ولهم أيضاً تواجد كبير في المكلا، وفي غيل باوزير، وكذلك يتواجدون في الديس الشرقية والشحر وبروم والهجرين، فضلاً عن تواجدهم واستقرارهم في عُمان وفي المهجر الهندي وشرق افريقياً، وفي دول الخليج وغيرها.   

وقد كان لآل علي الحاج بصماتهم الواضحة في تاريخ حضرموت منذ عصر السلطان الكثيري بدر بو طويرق  وما تلاه من أحداث الصراع الكثيري اليافعي وصولاً إلى تأسيس السلطنة القعيطية، ويبرز هنا اسم صالح بن علي بن بوبك بن علي الحاج الذي وصفه المؤرخ صلاح البكري بالبطل، وكان قائد الحامية في سيئون، وصالح بن عمر بن عبدالله بن علي الحاج أحد قادة يافع في حضرموت وقتل في معركة السيطرة على سحيل آل مهري سنة 1264هـ.

ولعل دورهم المميز وحضورهم القوي والفاعل قد تجلى بوضوح في نشوء السلطنة القعيطية وفي تثبيت دعائمها منذ اللحظات الأولى، ومن الشخصيات التي كان لها دور في ذلك نذكر:سعيد بن حسين بن علي الحاج أحد كبار وجهاء يافع في حضرموت، هاجر إلى الهند وكان مقرباً من الجمعدار عمر بن عوض القعيطي وكان قد أرسله سنة 1268هـ، وسنة 1269هـ، بأموال إلى يافع أثناء الصراع مع الكثيري وشارك في استعادة الشحر من يد آل كثير، وعبدالقوي بن سعيد بن علي الحاج، شاعر شعبي عاش في الهند، ولعله الشاعر الذي اشتهر هناك باسمه المستعار "الفرزدق"، وحسين بن علي الحاج الحوثري أحد رؤساء الوفد الذي أرسلته يافع في حضرموت لطلب النجدة من الثّري الجمعدار عمر بن عوض القعيطي بحيدر أباد في الهند سنة 1285ه، لنصرة يافع عند اشتداد الصراع بين يافع وآل كثير. وسالم غالب بن علي الحاج قائد قبيلة الموسطة بحضرموت في معركة استعادة الشحر من يد آل كثير وقُتل وهو يدافع عن الشحر سنة 1284هـ. 

ومن قادة جيش السلطان عوض بن عمر القعيطي نذكر سالم بن عمر بن علي الحاج وقد قُتل سنة 1316هـ عند زحف جيش للسلطان على دوعن،  وممن اشتغلوا في القضاء علي بن صالح بن علي الحاج قاضي الديس الشرقية في عهد السلطنة القعيطية وكانت له علاقة قوية بحكام الديس القعيطيين، وعبدالقادر بن سعيد بن محمد بن أحمد بن صالح ابن علي الحاج قاضي المحكمة الشرعية بالمكلا في خمسينات القرن الميلادي الماضي، ولد في ساحة آل علي الحاج بالقطن سنة 1914م، وتلقى تعليمه في تريم وتولى العديد من الوظائف والأعمال منها إمامة عدد من المساجد في المكلا ، وقد تولى القضاء في عدد من ألوية الدولة القعيطية في حجر وشبام ودوعن وغيرها، وغادر إلى ىالسعودية سنة1980 بقصد الحج وطاب له المقام في جدة وولي الإمامة ببعض مساجدها، وانتقل آخر أيامه إلى المدينة المنور وتوفي هناك سنة 2000م .

وفي المجال الزراعي اشتهر مرعي بن عامر بن علي الحاج وكان ممن ادخلوا تحسينات زراعية في عهد السلطان صالح بن غالب، وهو صاحب معيان الرياض المزهر في طرف مدينة غيل باوزير.

ومن الشعراء الشعبيين يأتي في الصدارة ناجي بن سعيد بن حسين بن علي الحاج الحوثري وهو من أشهر شعراء المكلا الشعبيين، وقد ولد سنة 1919م في (ساحة آل علي الحاج) بالقطن، وانتقل مع والده إلى بروم وعاش هناك يبيع الأخشاب ويتنقل بين بروم والمكلا واحتك فيها بالشعراء الكبار وتساجل معهم أمثال الحباني وباحريز، وتوفي سنة 2007م.  

ومن الشخصيات ذات التأثير والحضور في يافع وحضرموت الشيخ الأديب الشاعر محمد عوض سالم بن سعيد بن صلاح بن علي الحاج، ولد في قرية "ريد" بالموسطة – يافع. شاعر وعلامة. كان من بين قلائل من أبناء يافع ممن حصلوا على فرصة الحصول على العلم في رباط غيل باوزير ثم في  الأزهر بمصر، وبعد حصوله على إجازة الأزهر عاد  إلى مسقط رأسه - يافع، وظل مفتياً ومرجعية دينية واجتماعية في مناطق الموسطة وغيرها من مناطق يافع، وكان يملك مكتبة كبيرة بمقياس ذلك الوقت، ولكنها تعرضَّت للنهب والإحراق في فترة الطفرة الثورية في جنوب اليمن مطلع السبعينات من القرن الماضي، وبقي منها حوالي مائة كتاب، لم تطالها أيادي العبث.كما فُقدت الكثير من أشعاره. توفي 1962م، ومنهم الشاعر  منصر أحمد أبوبكر بن علي الحاج، توفي مطلع الستينات من القرن العشرين. وله أشعار لم تدون، منها قصيدة أرسلها إلى الشاعر ناصر عمر البارعي "قرية الصيرة" في أواخر ثلاثينات القرن العشرين، وقد نشرتها في كتابي (أعلام الشعر الشعبي في يافع). 

ومن الشخصيات الهامة التي كشفت عنها وثائق آل علي الحاج واطلعنا عليها، الشخصية الاجتماعية والعسكرية في جيش السلطنة القعيطية صالح بن سعيد بن سالم بن سعيد بن عبدالله بن صلاح بن علي الحاج، كما دوَّن اسمه الكامل بخط جميل في عدد من المؤلفات التي كان يمتلكها، ووجدناها ضمن أرشيف آل علي الحاج، مع الختم الخاص به، وسنفرد له حديثاً خاصاً به، في ضوء الوثائق والمراسلات التي تخصه والتي تبين عظيم مكانته في يافع وحضرموت والهند ونستعرض أيضا بقية الشخصيات الأخرى التي وردت اسماؤها في الوثائق والمراسلات ..