محمد خلفان يكتب:
باب المفاجآت الإيجابية أغلق مع إبراهيم رئيسي
من حق الشعب الإيراني أن يستغرب دعم المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي لإبراهيم رئيسي كي يفوز في الانتخابات، التي هي في الأساس شكلية، ليصبح رئيسا لإيران، رغم معرفة المرشد ومجلس صيانة الدستور بسجل رئيسي في مجال حقوق الإنسان، عندما كان يشغل منصب نائب المدعي العام. إلا إذا كان خامنئي يبحث عن المزيد من المتاعب والضغوط والمشاكل يلقيها على الشعب الإيراني، التي يبدو أنها قد بدأت من خلال دعوة المقرر الأممي الخاص برصد حالة حقوق الإنسان في إيران جاويد رحمن، إلى إجراء تحقيق مستقل في إعدام الآلاف من السجناء السياسيين عام 1988 ودور الرئيس الإيراني الجديد فيها.
إنها مصيبة، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، أن يبحث حاكم لدولة أو نظام عن أزمات جديدة لبلاده وشعبه من خلال تحدي الرأي العام الداخلي والعالمي بأكمله وفرض شخصية تمثله. وكأنه يعتقد نفسه مرشدا للعالم كله، مع أننا نعيش في زمن أنسنة القضايا بما فيها السياسية، ودوره الأول والأساسي هو توفير أسباب تنمية لبلاده في الداخل، أما دوره في الخارج الذي تحكمه القوانين والأعراف الدولية، فيُوجب عليه احترام تلك القواعد وتجنب استفزاز الرأي العام العالمي.
بهذه الدعوة الأممية، لك أن تتخيل حجم الصعوبات التي ستواجه الشعب الإيراني نتيجة لسلوك سابق لرئيسه الحالي، مع أن الأمر كان بالإمكان أن يكون مختلفا لو اتسم خامنئي بقدر بسيط من التواضع والعقلانية السياسية واختار رئيسا يعطي انطباعا بتغيير نهج النظام الذي أرهق الإيرانيين بكثرة الأزمات والمشاكل.
لماذا وفر المرشد البيئة السياسية والإعلامية المناسبة لفوز رئيسي بالانتخابات؟
البعض فسّر ذلك بأن خامنئي يريد أن يسجل المكاسب السياسية الناتجة عن المفاوضات النووية في فيينا لصالح المحافظين، لتكون ضمن إنجازاتهم السياسية، ورقة يستخدمها لتجديد الشرعية السياسية للنظام التي تآكلت كثيرا في الداخل لأسباب عديدة، خاصة أنه لم يعد لديهم جديد يمكن أن يقنعوا به الشعب الإيراني ويقدم على أنه إنجازات، بسبب الضربات التي وجهتها إسرائيل لإيران ودمرت أكثر من مرة منشآت نووية. لكن يبدو أن النظام ومعه القوى الأخرى لا يعنيهما ذلك.
خلال الأيام القادمة سيعقد المؤتمر السنوي للمعارضة الإيرانية في باريس، وموضوعه الرئيسي هو الكشف عن جرائم إبراهيم رئيسي، وبالتالي فإن مخرجات المؤتمر لن تخرج عن زيادة الضغوط على النظام الإيراني وربما عقوبات، وبالتالي سيدخل الشعب في دوامة جديدة من الأزمات التي يعاني منها منذ أكثر من أربعة عقود.
موقف المرشد، وهو الشخص الذي يقبض على السلطة الفعلية في إيران، لا يتجاوب مع رغبات ومطالب الشعب الإيراني، ولا يتفاعل مع رغبة المجتمع الدولي في أن تكون إيران دولة طبيعية. صحيح أن الانتخابات شأن داخلي، ولكن ترجيح كفة مرشح ليصبح رئيسا، هو في الأصل جريمة لا تسيء فقط للناخبين الذين امتنع الكثيرون منهم عن المشاركة، بل هو إمعان في استفزاز المنظمات الإنسانية الدولية، كما أنه يكشف عن كيفية تفكير القيادة الإيرانية في تعاملها مع المجتمع الدولي، وهي رسالة واضحة للقوى الغربية التي تتفاوض مع النظام الإيراني ينبغي عليها أن تستوعبها بشكل جيد.
وفق هذه المعطيات يصعب على أي مراقب التنبؤ بأي حظوظ تمكّن الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي سيتم تنصيبه في أغسطس القادم، التركيز على ما ينفع الإنسان الإيراني، أو يعدل النهج المعروف عن إيران. فلا تاريخه السياسي يساعده، ولا التيار الذي ينتمي إليه (تيار المحافظين) يقدّم مؤشرات إيجابية، ما يعني أن باب المفاجآت الإيجابية لا يزال مغلقا.