واثق الجابري يكتب لـ(اليوم الثامن):

إرادة الانتخابات أقوى من السلاح والتهديدات

تنتشر بعض الأساطير بسرعة هائلة في أوساط الجماهير، وهي ناجمة ليس من سرعة التصديق والتضخيم للأحداث فحسب، بل لأنها تخلط الأوراق بين الواقع والتضخيم الذي يسبق الحدث، ومنها القول أن الانتخابات لا يمكن إجراؤها في ظل وجود سلاح منفلت.

 

الأمن الانتخابي، واحد من أهم مقومات العملية الانتخابية، وبعدم وجوده يمكن التزوير  وتغيير إرادة الناخب، وإكراه آخرين على العزوف عن الإنتخابات، ولكن في ظل الظروف التي مر بها العراق بعد العام 2003م الى اليوم، يبدو أن خطره ليس كخطر السنوات السابقة ،حين كان الإرهاب يعصف بالعراق صباحَ مساءَ؟

 

 تختلف تفسيرات مآلات العملية السياسية، وكيفية التعاطي مع  ركيزة انطلاقها في الانتخابات، ومثلما هي مصداق للممارسة الشعبية، وأحد الحقوق الأساسية لحكم الشعب ومصدريته في القرار، هناك من لا يرى توفر مقوماتها، ومن أهمها الأمن الإنتخابي والسلاح المنفلت، ولكن التفسيرات والتأويلات متعددة وفق دوافع سياسية، أو شعور حقيقي بوجود حالات سلبية.

 

 المنفلت يعني أنه خارج سيطرة الدولة، ويتحرك بخلاف القانون ويهدد هيبتها، ويضعِّف سلطتها، وله قوى داعمة تدافع من أجل بقائه، ومنها من يحتمي به، أو من يمارسه بعرف خاطيء، والأخطر مِنْ ذلك،مَنْ له أغراض إبقاء الدولة ضعيفة، تشوبها الفوضى وضعيفة المؤسسات.

 

عند مشاهدتك حفلة زفاف أو تشييع، تعرف كم السلاح المنتشر خارج سيطرة الدولة، حتى ذلك المرخص فهو يستخدم بخلاف القانون هناك، وترى كم السلاح الخفيف والمتوسط، وعند نزاع عشيرتين تجد حتى أسلحة ثقيلة، أعاذنها الله أن تصل الحالُ الى إستخدام المفخخات والإنتحاريين بين العشيرتين، وفي الواقع أيضا اغتيالات لضباط كبار وناشطين وجرائم متعددة الوسائل، ويصعب كشفها وهي في وضح النهار، ويشعرك أن هناك سلاحاً أكثر مما تتصور خارج سيطرة الدولة.

 

 إن هكذا نوع من السلاح يشكل قلقاً للمرشحين والعملية الانتخابية برمّتها، وحتما سيؤثر شئنا أم أبينا، وسيكون وسيلة تهديد مباشر أو غير مباشر بمجرد التلويح به، وبذلك يغير قسماً من الإرادات، وأشبه بعملية تزوير غير مباشرة، ولكن الواقع أثبت أن العراقيين حينما يصرون يفعلون، وأنجحوا انتخابات سابقة وتصويتاً في الاستفتاء على الدستور، متحدياً في وقت الإرهاب والمفخخات والعبوات والإنتحاريين.

 

إن الصدور التي وقفت عارية في مواجهة الإرهاب، والمفخخات والإنتحاريين، من أجل الحفاظ على سيادة وطن، وحافظت على نظامه السياسي الديمقراطي من أجل التداول السلمي للسلطة، والصدور الأخرى التي وقفت في ساحات التظاهر للإحتجاج على الفساد وسوء الخدمات، من أجل إصلاح الإنحراف الذي أصاب بعض العمل؛ لهم القدرة على مواجهة التحديات كلها، سواء كانت حقيقية أو مفتعلة، واقعية أو مضخمة.

 

متى ما أيقنا أن الانتخابات وسيلة صحيحة لتحقيق الإصلاح، وإزاحة ما يمكن إزاحته من الفاسدين، فلا مجال سوى المشاركة الواسعة، والتغيير لا يحصل سوى بالمشاركة الفاعلة وترجمة المشاركة الفعلية في بناء الوطن؛ ومن خلال الاقتراع بالصندوق لا يُفْسَحُ المجال للفاسدين مرة أخرى لتبوُّءِ المناصب، ومثلما هناك مَنْ يراهن بأن الإنتخابات هي سبيل الإصلاح السياسي، فغيره من لا يريد مشاركة الجماهير ليضمن أصوات مؤيديه، ومن يمتلك الإرادة للتغيير والإصلاح، عليه وضع مثال تحدي العراقيين للمفخخات والإرهاب، في ذروة  العمليات الإرهابية، من أجل إقرار دستور عراقي وإنجاح عملية إنتخابية.