عبدالواسع الفاتكي يكتب لـ(اليوم الثامن):
سد النهضة والأمن القومي العربي
إن أي تهديد للأمن القومي المصري ، يمثل تهديدا للأمن القومي العربي ؛ لما تمثله مصر من أهمية جيواستراتيجية للعالم العربي والإسلامي ، يشكل سد النهضة الإثيوبي ، وأهداف وطموحات إثيوبيا من وراء بنائه ، وتصرفاتها الغاضة الطرف عن الأضرار التي ستلحق بمصر والسودان ، تهديدا وجوديا حقيقيا بالغ الخطورة للشعبين المصري والسوادني ، يمتد أثره للأجيال القادمة ، يتجاوز ترف الدبلوماسية والمفاوضات الماراثونية ؛ لأن الأمر متعلق بحياة أو موت شعبي مصر والسودان .
مؤخرا مجلس الأمن الدولي ، أحال الخلاف بين مصر والسودان من جهة ، وإثيوبيا من جهة أخرى للاتحاد الأفريقي ، وكأن الخلاف غير مطروح على طاولة الاتحاد الأفريقي منذ سنوات عدة ، إحالة مجلس الأمن مشكلة سد النهضة للاتحاد الأفريقي ، تتساوق مع رغبة إثيوبيا ، التي صرح أكثر من مسؤول فيها بأن الخلاف حول سد النهضة ، يجب أن يظل أفريقيا بحتا ، وفي إطار الاتحاد الأفريقي .
سلكت وتسلك جمهورية مصر العربية الوسائل الدبلوماسية ، متكئة على ثقلها السياسي المحوري الكبير في المنطقة ، مستخدمة لغة السياسية والحوار والتفاوض ، مبدية مرونة من غير ضعف أو عجز ، مع الجانب الإثيوبي ؛ لحل الخلاف حول سد النهضة من حيث تعبئته وزمن التعبئة ، وهل سد النهضة هو باكورة سدود أخرى ستبنى في المستقبل القريب أم لا ؟ في المقابل إثيوبيا مازالت حتى اللحظة ، تتعامل مع الموقف المصري بمماطلة ، وتلعب على عامل الوقت ؛ لتفرض أمرا واقعا ، غير مدركة بأنها بهكذا سلوك ، تدفع نحو التأزم والوصول لنقطة اللاعودة ، عندها بعد أن تستنفذ مصر كافة الوسائل السلمية ، ستكف مصر عن الدبلوماسية ولغة السياسة ، وستضطر مصر لخيارات أخرى ، صحيح أنها مكلفة ومؤلمة ، ولها آثارها الخطيرة على الاستقرار في الشرق والشمال الأفريقي ، إن لم تكن في القارة الأفريقية ككل ، لكن في نهاية المطاف عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي المصري ، المرتبط بوجود دولة وشعب مصر ، فتبقى كل الخيارات مفتوحة .
الدول الدائمة في مجلس الأمن تنظر للخلاف المصري السوداني والإثيوبي ، من منظور مصالحها السياسية أو الأمنية ، ولا استبعد بسلوكها هذا أنها تدفع لتفجير الوضع عسكريا ، لاسيما وأن مصر هي الدولة الوحيدة من الدول العربية ، التي لم تدخل في حرب أهلية ؛ نتيجة أحداث 2011م ؛ ولذلك فهي ليست في عجلة من أمرها ؛ للضغط على إثيوبيا ؛ للجلوس على طاولة المفاوضات وحل الخلاف ، بما يحافظ على مصالح مصر والسودان وإثيوبيا مجتمعة ، والحيلولة دون وجود أضرار مستقبلية على الأجيال القادمة ، ومن ثم ستظل تلكم الدول ، تصدر تصريحات بين الفينة والأخرى ، داعية هذا الطرف أو ذاك للتهدئة ، بينما تستمر إثيوبيا في خيارات أحادية ، مضيقة الخناق على مصر والسودان ، عندئذ ستكن مصر والسودان أمام خيارات صعبة جدا ، مرغمتين على سلوكها دفاعا عن وجودهما كشعب ودولة .
مصر بقدراتها وبحكمة قياداتها ، تجاوزت محنا كثيرة وأزمات خطيرة ، غير أن أزمة سد النهضة ، تستدعي من كل الدول العربية الوقوف مع مصر شعبا ودولة ، ودعم وإسناد الموقف المصري ؛ فأي مساس بمصر هو مساس بالأمن القومي العربي ، ولابد أن تتحرك كل الدول العربية موصلة رسالتين ، الأولى للمجتمع الدولي : بأن مصر ليست وحدها وأن أزمتها مع إثيوبيا لا تخص مصر وحدها ، بل تخص الأمة العربية ؛ وذلك للدفع بالمجتمع الدولي ؛ لممارسة ضغوط على إثيوبيا ؛ للجنوح للغة الحوار والمصالح المشتركة ، والثانية لإثيوبيا : بأن مصر ومن خلفها العرب صبرهم سينفذ ، وأن أي مواجهة بين إثيوبيا ومصر هي مواجهة بين إثيوبيا والعرب ، مثل هذه الرسالة ، لعلها سترغم إثيوبيا لتحكيم لغة العقل والمنطق والمصالح المشتركة ، وتتراجع عن سياسة فرض الأمر الواقع ، التي لو استمرت ستجر الوضع للانفجار ، وستفتح الباب على مصراعيه ؛ لعواقب كارثية وخيمة ، تتجاوز آثارها شعوب مصر والسودان وإثيوبيا ، لتشمل القارة الأفريقية برمتها ، وتهدد السلم والأمن الدوليين ، وهو ما لا نتمنى وقوعه .