عباس البخاتي يكتب لـ(اليوم الثامن):

ماذا بعد السيستاني؟

تعتير مرحلة تصدي السيد السيستاني للمرجعية من أهم المحطات وأكثرها تعقيدا في تأريخ الشيعة المعاصر.
تلك الأهمية متأتية من أثر وجوده على الكيان الشيعي، وإنعكاس ذلك على الأحداث التي مرت بالعراق في العقود الثلاث الأخيرة.
يمكن بحث ذلك من عدة نواحي واهمها وجوده كشخص له تأثيره في القاعدة الجماهيرية وموجه لها ومشخص لمصلحتها، أو من خلال النظر لسلوكياته كمتصد للمرجعية وملزم بالمحافظة على كيانها واستقلاليتها وتعاملها بحذر مع المتغيرات التي شهدها الواقع العراقي من الناحية السياسية،أو تلك التي لها تماس مباشر بالوسط الديني والمعبرة عن افكارها بالخروج عن المألوف والتمرد على العرف الحوزوي المتوارث بدعوى التجديد التي تبنتها عدة أطراف من خلال ادعاءها  ماليس لها.
إن دعوة السيد السيستاني لقيام دولة مدنية محكومة بقانون يحفظ الحقوق ويصون الحريات، ويترك للشعب خياره في تسمية ممثليه في النظام السياسي الذي حظي بثقة الشعب من خلال قبوله بحاكمية الدستور _ يفسرها المختصون بالشان الحوزوي وتعاطيه مع الحالة السياسية على أنها تمهيد لمرحلة خلو الساحة العراقية من الوجود المرجعي، ولا فرق في ذلك إن كان الغياب يخص شخص السيد السيستاني ام بقية المراجع المعاصرين له.
التطرق لهذا الموضوع لا يعني أن الحديث نابع من تنبؤات خاصة بقدر ما هو إستشراف للمستقبل الذي يخشى الكثيرون من الخوض به والكشف عن ما في أذهانهم من توقعات أزاء تلك المرحلة صونا للخيال من التفكير بحقبة من المستقبل الذي أخفق الحاضر في ان يعد العدة لكيفية التعامل مع معطياتها الجديدة.
العقل يدعو للتسليم بحقيقة مفادها أن ما جرى على رسول الله ص وآله وعلى الأئمة الأطهار والأولياء، حتما سيجري على شخص السيد السيستاني، خصوصا بعد تجاوز العقد التاسع من العمر.
أمر آخر لا بد من الإشارة إليه يتعلق بالمعرقلات التي تمنع من سد الفراغ الذي سيحدثه غياب السيد السيستاني من نفس الدائرة العلمائية المحيطة به لعدة أسباب، يأتي في مقدمتها التقارب العمري بين المراجع الثلاثة بل بعضهم أكبر منه سنا، مما يعني أن الرحيل سيكون في فترات متقاربة، ناهيك عن المعرقلات التي ستضعها بعض الدوائر للحيلولة دون تسمية مرجع آخر وكيفية الإتفاق على آليات معتمدة لملء الفراغ.
من خلال التمعن بتلك الإشارات نلمس أن المرجعية ومنذ سنوات قد مهدت لمرحلة ما بعد خلو الساحة من وجودها، وهذا واضح من خلال دفعها للأمة بإدارة شؤونها بنفسها خصوصا في البعد السياسي وإدارة النظام الذي يحكم بقوة القانون ويرعى مصالحها ويدير شؤونها بغية الحد من تأثير قانون القوة الذي إن تمكن من مصالح الناس فإن البلد سيدخل في دوامة لا يكفي العقد من الزمن للخروج منها.
بناء على ما تقدم، فإن الانتخابات المقبلة وسعة المشاركة فيها، تعتبر من أهم عوامل دعم النظام السياسي الذي يحفظ الأرواح والمصالح، ولا يمكن ربطه بالمرجعية التي إتخذت نهجا فند جميع الادعاءات التي تحملها مسؤولية إخفاق الطبقة السياسية وفشلها في التعامل مع عديد من الملفات كالخدمية وما يتعلق بالسيادة والحد من التدخلات الخارجية.
إضافة الى ان المرجعية ألقت الكرة في ملعب الجماهير وحملت الأمة مسؤولية الاختيار الصحيح وهذا واضح من خلال فك الارتباط بين الطبقة السياسية والمرجعية بعد سنوات من الرفض الذي عبرت عنه بغلق الأبواب من جهة والدعوة الى إشراف السلطة القضائية على مخرجات الممارسات الإنتخابية وارغام الطبقة السياسية على الرضوخ لمطالب الشعب في أبعاد تأثيرها على قرارات المفوضية العليا للإنتخابات خصوصا بعد اندلاع المظاهرات التي عصفت بالبلاد منذ 2019 وما رافقها من احداث مأساوية من جهة أخرى.