علي قاسم يكتب:

في المشترك والمختلف بين بوتين وخامنئي وأردوغان

ما المشترك بين فلاديمير بوتين وعلي خامنئي ورجب طيب أردوغان؟

بقليل من الجهد والتفكير سنصل جميعا إلى الجواب الصحيح. كل واحد منهم يحلم بإحياء إمبراطورية آفل نجمها.

تحدثت روسيا مطوّلا عن التصدي لـ"داعش" لتبرير تدخلها في سوريا عام 2015، إلا أن هذا لم يخف رغبتها في الاحتفاظ بقواعد عسكرية شرقي البحر المتوسط، والحصول على الحصة الأكبر من أعمال التنقيب عن الغاز  قبالة الساحل السوري إضافة إلى استثمارات أخرى من بينها الفوسفات.

السنوات العشر الماضية من عمر الأزمة بدّلت العالم. ما كان بالأمس ضرورة استراتيجية سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي، أصبح اليوم عبئا يجب التخلص منه.

"النجاحات" التي حققتها روسيا في سوريا، تكشفت الآن عن إخفاقات. فلماذا الإصرار على تصنيع عربات تجرّها الخيل بعد اكتشاف المحرّك الانفجاري؟

التاريخ لا يرحم الذين يفشلون في قراءة التغيرات، سواء على المستوى الفردي أو على مستوى الحكومات والدول.

عندما تجد نفسك في حفرة، أول شيء يجب عليك فعله، كما ينصح البريطانيون، هو التوقف عن الحفر، حتى لا تزيد الحفرة عمقا.

البريطانيون توقفوا عن الحفر منذ وقت طويل، والإمبراطورية التي كانت الشمس لا تغيب عنها، تقلصت إلى جزيرة تكاد الشمس لا تشرق عليها.

لماذا نتحمّل عبء الانتشار والسفر بعيدا إن كانت المكاسب تصلنا طوعا حيث نقيم؟

ولهذا أيضا كانت البريكست. إنها استفاقة بريطانية من وهم الكيانات الكبرى.

الولايات المتحدة هي الأخرى تنسحب من بؤر الصراع ليس لأنها مهزومة، بل لأن وجودها هناك لا معنى له اليوم.

الأتراك شرعوا في حساب خسائرهم ويحاولون لملمتها، ولكن أردوغان الذي استفاق من أوهامه يجد نفسه عالقا في ورطة، لا هو قادر على الانسحاب، لأنه لا يجد ما يقوله للأتراك، الذين سينفضون من حوله. وبعد أن كان يسوّق نفسه خليفة للأمة الإسلامية يجد نفسه مهزوما وذليلا. ولا هو قادر على البقاء في بؤر الصراع، لأنه سيغرق تركيا، ويكون هو أول الغارقين معها.

بات أردوغان يعلم، وإن جاء ذلك متأخرا، بأن الاقتصاد حق، وأن الإمبراطوريات لا تبنى بالأيديولوجيات، وأن الحروب الرابحة لا تشنّ على أراضي الآخرين بل في الداخل. هي حروب في مجال التصنيع والابتكار. فماذا صنعت تركيا أردوغان وماذا ابتكرت؟

الصين التي كانت أول المدركين لهذه الحقيقة في مطلع القرن الحادي والعشرين. انكبّت على نفسها وأصلحت اقتصادها، لتبرز فجأة ليس كتنين كما توصف، بل كخلية نحل لا تؤمن إلا بالعمل وتتحول إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

تجربة الصين ما هي إلا تكرار لتجربة اليابان التي خرجت مهزومة من الحرب لتركز على حرب داخلية قوامها الاقتصاد.

لم تحتج الصين واليابان وكوريا الجنوبية إلى موقع قدم استراتيجي لتحقق كل منها معجزتها الاقتصادية. وعندما عاقب العالم ألمانيا وجرّدها من السلاح ومن أي موقع نفوذ خارج حدودها، قدم لها خدمة جليلة؛ فسح لها المجال لتتحول إلى أكبر اقتصاد أوروبي.

لماذا تحتاج إذن دولة مثل روسيا إلى التمدد والتوسع لتحقق معجزتها الاقتصادية؟

ورغم أن بوتين هو القائل "من يمتلك تكنولوجيا المعلومات يمتلك العالم". إلا أنه يعيش في ظلال الحروب الكلاسيكية ووهم إحياء الماضي. باحثا عن موقع “استراتيجي وجيوستراتيجي" في سوريا، مبتلعا الخدعة التي أشاعها الغرب بأن سوريا "فضاء حيوي على البحر الأبيض المتوسط وفي منطقة الشرق الأوسط عموما حيث تتشـابك المصالـح العالميـة"، وأن روسيا بوجودها هناك "ستستعيد موقعها في السياسة العالمية وترسيخ مكانتها الدولية، على غرار ما كان عليه موقع الاتحاد السوفييتي".

انطلت الخدعة مع الأسف على موسكو، ولإثبات خروجها من نظام ما بعد الحرب الباردة كقوة عظمى، راحت تقلّب في دفاترها القديمة بحثا عن أنظمة دكتاتورية تستمد من خضوعها إحساسا زائفا بالعظمة.

كان الأجدر بروسيا أن تقبل الهزيمة، وتنكفئ على نفسها، وتطور اقتصادها. ولكنها اختارت عكس ذلك، بعد أن ابتليت بزعيم (بوتين) ضيع عليها فرصة لا تتكرر لبناء اقتصادها.

تواجد لحماية المصالح الروسية أولا

ماذا تريد روسيا من تمددها غير الموقع الاستراتيجي؟

النفط، هذا ما يقوله المحللون وهذا ما أقنعت به موسكو نفسها أيضا.

العالم كله يريد النفط، وإن خاض يوما حروبا من أجله، فهو اليوم يترك الأمر للسوق يحدد سعره، وما على دول العالم إلا أن تدفع السعر المطلوب للحصول عليه؛ هذا ما تفعله الصين، واليابان، ودول أوروبا وتفعله معظم دول العالم. سعر النفط يحدده العرض والطلب وتؤثر عليه الأحداث، سواء من صنع الإنسان أو بفعل الطبيعة.

أبعد من ذلك، ما هو مستقبل النفط في المنظور القريب. خاصة وأن الدول النفطية نفسها تبحث عن بدائل للطاقة وتنويع الاقتصاد.

الطلب على النفط بدأ في التعافي بعد موجات التراجع التي شهدتها الأسواق عام 2020، بسبب انتشار جائحة كورونا، ليصل سعر البرميل إلى 65 دولارا.

وتشجع التوقعات في المستقبل القريب على التفاؤل، على الرغم من حالة عدم اليقين بسبب عودة تفشي فايروس كورونا بنسخته دلتا في عدد من الدول، وبحسب توقعات الوكالة الدولية للطاقة قد يصل سعر خام برنت إلى 74 دولارا للبرميل هذا العام.

ولكن، التفاؤل يخفت على خلفية التقرير الذي نشره خبراء شركة "وود ماكنزي"؛ وفقا للتقرير، سيبدأ الطلب على النفط في الانخفاض بحلول عام 2023. وبحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، سينخفض بنسبة 70 في المئة مقارنة بالأرقام الموجودة اليوم، ليتراوح سعر خام برنت بحلول عام 2030، بين 37 و42 دولارا للبرميل الواحد، بينما سيصل إلى 10 دولارات بحلول عام 2050.

بوتين، مثله في ذلك مثل أردوغان وخامنئي، لم يأت إلى المنطقة بجيشه ومرتزقته بحثا عن موقع استراتيجي، أو بحثا عن النفط. بل جاء كما جاء أردوغان وخامنئي، سعيا لإحياء حلم إمبراطوري.

التواجد الروسي والتركي في المنطقة لم يعد مكسبا استراتيجيا. بوتين يعرف هذا وأردوغان يعرف هذا أيضا. ولكن، مثل كل الفاشلين، يصعب عليهما القبول بالخسارة، وهذا يعرضهما لاستنزاف أكبر. إلا أنهما سيضطران في النهاية إلى الاعتراف بالهزيمة ولملمة خسائرهما والرحيل.

الحديث اليوم عن الفوز بموطئ قدم أمر مثير للسخرية. من يحتاج لموطئ قدم في عالم يتمدد ويتوسع؟

وبينما تنشغل دول مثل روسيا وإيران وتركيا في البحث عن موطئ قدم لها في دول فاشلة، تسعى الولايات المتحدة والصين للنفاذ في أقطار السموات للظفر بموطئ قدم على المريخ.الغرب يلملم حقائبه مستعدا للمغادرة منهيا فصلا من فصول الحروب الكلاسيكية، فالحرب مستقبلا لن تجري على الأرض بل في الفضاء السيبراني.

هناك تغيرات في الموقف الروسي والتركي، يرى فيها البعض استعدادا لدى موسكو وأنقرة للتخلي عن طموحاتهما الإمبراطورية والاكتفاء بحصة في إعادة إعمار دول المنطقة تعوض لهما بعض الخسائر؟

طهران وحدها تقف عاجزة عن قراءة المتغيرات الجارية من حولها، تظن أن امتلاكها التكنولوجيا النووية يمكنها من امتلاك العالم، والسبب أنها أسيرة فكر أيديولوجي غيبي، وتكتفي بالعمل "لآخرتها كأنما تموت غدا".