حميد طولست يكتب:
وداعا قيدوم العمل النقابي المحجوب رويميات.
فُجعت ، كما فجعت الحركة النقابية المغربية أو أكثر، بالرحيل المفاجئ لقيدوم العمل النقابي المشمول بعفو الله ورحمته المحجوب رويميات ، الذي أبى ، رحمه الله ، أن يترجل عن صهوة العمل النضال النقابي إلا بعد انتخابات الأجراء التي شارك فيها اخوته العمال الذين انفق كل حياته، وليس بعضها، في حماية حقوقهم المشروعة ، والدفاع عن مصالحهم المشتركة ، وتحسين ظروف وشروط عملهم ، والرفع من مستواهم الصحي والاقتصادي والاجتماعي ، وكفالة العدل وصيانة حقهم في الحياة الكريمة، التي كافح بقوة وقاوم بشدة ونافح بضراوة كل أشكال انتهاكها ، في وقت غزى التحلل الوضع النقابي وتعفن النضال من أجل المصالح المادية والمعنوية للشغيلة ، وغدا الدفاع عنها ، هو آخر هم النقابات ، التي تحولت إلى جماعات ضغط يستعملها سماسرة النضال لتمرير الأجندات السياسية لأحزاب..
ولمنْ لم يعرف المرحوم ، أو لم يسمع بتاريخه النضالي الحافل بعطاءاته الحاتمية -التي لا و لن تنسى - من وقته وطاقته وعناده وانحيازه غير المحدود لصالح الطبقة العاملة ، التي ما كان –رحمه الله يخاف في طرح قضاياها لومة لائم- حيث كان يغرق في لجة الدفاع عنها ، و البحث عن سبل تحقيقها ، سواء خلال اجتماعات المستأجرين التأطيرية ، التي لم يتغيب قط عن واحدة منها ، أو خلال اللقاءات الرسمية التي كان يجلجل قاعات وصالونات اجتماعاتها بمواقفه الصلبة وشجاعته في الدفاع عن حقوق العمّال ومكتسباتهم، التي كان يفكر فيها بصوتٍ عالٍ ، ويتحدث عنها بصوتٍ عالٍ ، ويحتج على انتهاكها بصوتٍ عالٍ ، ويُحاجج بصدقٍ عالٍ أيضا، يعاضده في ذلك ما امتلكه من مؤهّلات الحضور المتميز ، والتواجد البارز في مختلف المعارك النقابية المتعددة الأوجه من خلال تعاطيه العملاق لكل ما يهمّ الطبقة العاملة ووحدتها التي تحمّل مسؤوليتها مند السبعينات والثمانينات ، بالمكتب الجهوي للاتحاد العام للشغالين بفاس، الذي كان فيه الصوت المدوي بالذود عن عدالة وشرعية نضاليات الحركة العمّالية ، بمختلف المحافل وأينما توجّه وأينما حلّ ، تاركا بصماته العميقة في كثير من قضايا ومعطيات الحركة العمّالية ووحدتها، التي لا يمحوها الزمن مهما طال ، غارسا أفكاره ومبادءه في نفوس النقابيين والمناضلين الذي زاملوه في الساحتين النقابيتين ، المحلية والوطنية ، وعلى رأسها قلقه ، بل ورفضه لكافة أشكال التبعيّة والوصاية على الحركة النقابية من أي طرف خارجي أو داخلي رسمي أو حزبي أو فئوي ، لإيمانه الأصم بأنها ليست حكراً على الأحزاب ، وأنها تعرقل الإنجاز النقابي المبدع ، الذي لا تكمن تركيبة جودته في وصايتها عليه ، ولكن فيما يربض بين جنبات النقابي الجاد من روح نضالية مستعدة للحفاظ على كيان وطنه وهويته وكرامته من سطوة المستكبرين وعبث المترفين، وصون هوية وكرامة وحقوق العمال من تغول الأحزاب وطغيان الدولة ، الأمر الذي جر عليه الكثير من المنغصات وشجع مرتزقة العمل النقابي للتآمر على دوره كقيادي متميز الحضور في أكثر من واجهة ، للنضال ، الذي هو عنده وحدة متكاملة.
وختام ، وفي مقام الكتابة عن نقابي إنتمى لمجمل هذا الارث النضالي الوطني الفريدة والشاهقة لابد من وقفةِ واجبة بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره ، تناسب هذا الظرف العصيب على أهله والقاسية على أصدقائه ومعارفه وزملائه في درب الناضل ، لاستمطار السماء رحمةً ومغفرة ، تآنسه وحدته، ووحشته، ووغربته ، وتدخله الجنّة من غير حساب، أو سابقة عذاب ، وتجزيه عن إحسانه إحساناً، وعن الإساءة عفواً وغفراناً ، ولا حول ولا قوة الا بالله ،وانا لله راجعون..