محمد محمود بشار يكتب:

وماذا عن خمسة ملايين مواطن سوري؟

عندما تم فتح البوابة الحدودية في مدينة راس العين المعروفة كرديا باسم (سري كانية) الواقعة على الحدود السورية – التركية دخل اليها العديد من الفصائل المسلحة تحت اسم المعارضة السورية و تحت حماية مباشرة من الدولة التركية. 

في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012 تزعمت كتائب (غرباء الشام) الاسلامية برفقة جبهة النصرة و العديد من الفصائل الاخرى حملة (غزو راس العين)، حينها هربت قوات النظام السوري من المدينة و أطرافها، وبقي فيها مجموعات من الاهالي المتطوعين مع (وحدات حماية الشعب) و هي قوات عسكرية تم تأسيسها في 2011 في المناطق ذات الاغلبية الكردية في سوريا. 

تحولت هذه المدينة الصغيرة الى ساحة حرب كبيرة، تدخل فيها التركي، و الروسي و الامريكي و مرتزقة من مختلف اصقاع العالم، الا ان هذه المدينة تمكنت من طرد العديد من المجاميع المسلحة التي ادخلتها تركيا الى المدينة، و بقي أهلها يعيشون حياة شبه طبيعية على حدود الموت و الارهاب و غزوات المرتزقة. 

تمكنت مؤسسات الادارة الذاتية في شمال و شرق سوريا من ادارة هذه المدينة منذ عام 2011 و لغاية اكتوبر 2019، حين تعرضت المدينة لعملية اجتياح عسكرية تركية و تم احتلالها و تهجير اغلب سكانها الاصليين منها. 

من بين ركام الحرب و في وسط أعاصير و اشباح الموت و الدمار في سوريا، نهض مشروع مميز يدعو الى الديمقراطية و التعايش المشترك بين جميع القوميات و الاديان. 

كان الأمر أشبه بالمستحيل ان تنهض بهذا المشروع في بيئة توافد اليها العديد من المشاريع الجهادية و القوموية و الايديولوجيات المشبعة بالتطرف القومي و الديني و المذهبي. و لكن استطاع اصحاب المشروع تخطي ابرز الصعاب و العوائق و بعد اعلانهم للإدارة الذاتية في الجزيرة السورية في 21 كانون الثاني/يناير 2014 استطاعو في عدة اعوام تطوير و توسيع المشروع و اعلان الادارة الذاتية لشمال و شرق سوريا في 6 ايلول/سبتمبر عام 2018 و اصبحت مناطق الادارة تضم الرقة و الحسكة و القامشلي و كوباني و عفرين و مناطق من ريف حلب مثل منبج و تل رفعت و مناطق واسعة من دير الزور و مدن و بلدات أخرى شكلت حوالي ثلث الجغرافية السورية بشكل عام. 

في هذه المنطقة و على يد قوات سوريا الديمقراطية تغير تاريخ الحرب على الارهاب في العالم، أذ تم القضاء على آخر معاقل خلافة تنظيم داعش في 23 آذار/مارس 2019 في منطقة الباغوز. 

لكن و على الرغم مما قدمته هذه المنطقة السورية للعالم في حربها ضد الارهاب الا انها مازالت لحد الآن غير معترف بها رسميا على الصعيدين المحلي و الدولي و تعرضت لعدة عمليات عسكرية عدوانية تركية. 

جرت العديد من المباحثات و اللقاءات بين مسؤولي الادارة الذاتية و مسؤولي النظام السوري في دمشق و لكن من دون جدوى، كذلك تم اقصاء ممثلي الادارة الذاتية من الحضور في اجتماعات جنيف المتعلقة بالوضع السوري و ذلك بفيتو تركي-روسي-ايراني مشترك. 

و مازال التواجد الامريكي في شمال و شرق سوريا من خلال التحالف الدولي لمحاربة داعش مقتصرا على الجانب العسكري فقط، وعلى الرغم من زيارة العديد من المسؤولين و الدبلوماسيين الامريكيين إلى هذه المنطقة و لكنه لحد الآن لم تتطور العلاقة بعد لتصل إلى حد الاعتراف السياسي و بناء علاقات سياسية و دبلوماسية. 

الوضع في شمال و شرق سوريا، لم يعد شأنا محليا او اقليميا فقط، بل بات يشكل عقدة كبيرة في السياسة الدولية، حيث لا تمتلك دمشق الا وجودا شكليا فقط في هذه المنطقة، بينما الروس و الامريكان لهم حضورهم القوي عسكريا. 

جذب الاستقرار النسبي التي تتمتع به المنطقة مئات الآلاف من النازحين السوريين من المناطق الأخرى إليها، حيث تتكون الكتلة السكانية الآن في شمال وشرق سوريا من خمسة ملايين مواطن سوري. 

هناك تحرك الآن من قبل القوى و الاحزاب و الشخصيات المنخرطة في الادارة الذاتية للحصول على اعتراف رسمي من قبل المجتمع الدولي في هذه الايام، وهذا التحرك بحد ذاته هو خطوة جديدة في السياسة و الدبلوماسية التي تمارسها الادارة الذاتية، إذ هل من الممكن لها أن تحصل على اعتراف رسمي دولي من دون المرور في دمشق؟ 

الكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي، هذا ما يفصح عنه لسان حال الادارة الذاتية لشمال و شرق سوريا. 

ولكن يبدو ان ركل الكرة بهذه الطريقة سيهز شباك المرمى في دمشق التي تعنتت في كل سنوات الحرب العشرة، فحكام دمشق لا يصغون لأي مبادرة الا عندما يدركون بان هناك خطر قادم من الغرب.