محمد محمود بشار يكتب لـ(اليوم الثامن):
العالم في ظل رئاسة بايدن
في إحدى اللقاءات التلفزيونية مع الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز أمين مجلس الأمن الوطني السعودي السابق، تطرق إلى المفاوضات المتعلقة بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي في اواسط التسعينات، وبقيت تلك المفاوضات مستمرة إلى الانتخابات الرئاسية الامريكية في عام 2000 حيث فاز جورج بوش الابن وانتهت حقبة رئاسة بيل كلينتون للولايات المتحدة الأمريكية، حينها طلب الوفد الفلسطيني من الامير بندر التواصل مع الرئيس المنتخب ومعرفة مدى موافقته على ما تم الاتفاق عليه في ظل قيادة كلينتون.
وبالفعل اتصل الامير بندر مع بوش الابن لمعرفة المستجدات، حينها قال له جورج بوش الابن: أمريكا لديها رئيس واحد في وقت واحد، وأنا بدوري كرئيس منتخب سوف ألتزم بأي قرار اتخذه الرئيس الذي سبقني.
الرئيس في الولايات المتحدة الامريكية مهم جداً، وله صلاحيات واسعة وكبيرة، إلا أن هناك استراتيجية للدولة الامريكية تعتمد على تجارب سابقة لتأمين المصالح الامريكية وضمان تفوق أمريكا واستمرار ريادتها للعالم الحديث.
بايدن لن يصبح رئيساً مرة أخرى، والرئيس الذي سيليه بكل تأكيد لن يقلب الطاولة في البيت الأبيض على قرارات الرئيس الحالي جو بايدن، حتى لو جاء دونالد ترامب، والذي سيكون له قراراته الخاصة ولكن سيبقى ملتزما بما تم الاتفاق عليه في عهد الرئيس الذي سبقه وسيحافظ على ما تم إنجازه خدمة للأمة الامريكية ومصالحها الممتدة والمتشعبة في جميع أنحاء العالم.
- بايدن يشعل النيران خارج الحدود الامريكية
بالنسبة للداخل الامريكي، فليس هناك رئيس يستطيع أن يعمل ضد مصالح وإرادة الشعب الامريكي، ولكن ما يهم شعوب الدول الأخرى في مختلف قارات الكرة الارضية، فهي السياسة الخارجية لواشنطن وكيفية إدارتها للحروب والأزمات والتحالفات.
يبدو أن عجوز البيت الابيض والذي يسهو أحياناً ويخطئ أحياناً أخرى ويخلط بين بوتين وزيلينسكي عندما يتم ذكر الأسماء، كان شديد التركيز في إدارة الحروب والصراعات والتي تكون مراكزها بعيدة آلاف الكيلومترات عن البيت الأبيض.
بايدن أبقى الأبواب مفتوحة أمام الحروب التي اشتعلت قبل توليه الرئاسة ولم يخمدها، كالحرب السورية واليمنية والليبية وغيرها، بل اتجه إلى إشعال فتيل حربٍ أخرى أكثر أهمية بالنسبة للغرب في الوقت الراهن، وهي الحرب الروسية – الاوكرانية.
حيث استطاع الرئيس الامريكي من خلال هذه الحرب، إدخال روسيا في حرب استنزاف كبيرة لطاقاتها البشرية والعسكرية والاقتصادية.
وبنفس الوقت استطاع أن يجعل الدول الاوروبية من أن تعيد حساباتها، وخاصة أن هذه الحرب هي في دولة مرشحة للانضمام للاتحاد الاوربي، وبالتالي هي حرب ضمن الجغرافية الاوربية.
وفي النتيجة، الدول الاوربية التي كانت ضد فكرة العضوية ضمن الناتو، أصبحت تبذل كل جهودها كي تصبح عضواً في حلف شمال الاطلسي (الناتو) كالسويد وفنلندا اللتان انضمتا إلى الناتو، وبذلك يكون بايدن حقق ما لم يحققه أي رئيس أمريكي آخر في علاقة هذه الدول مع الناتو.
وفي الشرق الاوسط احتد الصراع بين الاسرائيليين والفلسطينيين ومازالت الحرب مستمرة منذ شهر اكتوبر في العام الماضي وهذه الحرب تتميز بخصوصية توسع جبهاتها كلما طال أمدها.
كما تم تأجيج الصراع القائم بين إيران واسرائيل، الامر الذي دفع بإيران لقصف إسرائيل لأول مرة في التاريخ بالمئات من الصواريخ والطائرات المسيرة، وهذه العملية الايرانية المحدودة، ستجعل من طهران تدفع ضريبة كبيرة وعلى مدى عدة أجيال.
وقد يكون من باب الصدفة بأن يُقتل الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي في حادثة تحطم مروحيته ضمن الاراضي الايرانية، ولكن حتى الصدف تخدم سياسة ومصالح البيت الأبيض، فسيذكر التاريخ دائما بأن هذا الرئيس الايراني حصل له ما حصل، في عهد ذلك الرئيس الامريكي.
وقبل هذه الاحداث والحروب التي تم اشعالها، كان تعامل بايدن مع الملف الافغاني مختلفاً تماماً.
فجاء الانسحاب العسكري الامريكي من افغانستان، ليفتح الطريق أمام حركة طالبان مرة أخرى لتقود هذه البلاد، ولكن تمت هذه العملية بعد عدة لقاءات جرى عقدها في الدوحة بين ممثلي حركة طالبان ومسؤولين من الادارة الامريكية بإيعاز من جو بايدن.
كما حافظ بايدن على سياسة وقرارات الرؤساء اللذين سبقوه، فحافظ على مسار الصراع كما كان في السابق في عدة دول، منها سوريا والعراق واليمن وليبيا، يبدو أنه أبقى هذه الملفات عالقة للرئيس التالي الذي سيليه، فهو كان مهتماً بصراعاته وحروبه التي أشعل فتيلها بنفسه وعلى رأس تلك الحروب، الحرب الروسية – الاوكرانية.
بايدن الذي كان أصغر عضو في الكونغرس الامريكي واصبح أكبر رئيس في العمر للولايات المتحدة الامريكية، لم يترك خلفه فقط سجلاً مليئا بالأرقام المميزة، بل أشعل حروباً سيدفع العالم كله ضريبتها لأجيال عديدة.
ولكن يبدو أن جو بايدن اهتم بالخارج أكثر من اهتمامه بالداخل الامريكي، فكل تلك الصواريخ والقنابل التي تم إطلاقها في العديد من الجبهات والدول في عهده، لم تمنحه القوة ليصمد أمام رصاصة واحدة تم إطلاقها على خصمه دونالد ترامب، تلك الرصاصة التي غيرت مجرى العملية الانتخابية في أقوى بلد في العالم.
أراهن بأن ترامب سيحتفظ ببقايا تلك الرصاصة ليضمها إلى مقتنياته الخاصة الأكثر أهمية ليتأمل بها ويشكر الرب كلما مرّ في أوقات عصيبة وحرجة.