محمد محمود بشار يكتب لـ(اليوم الثامن):

أيلول طهران الدامي و أكتوبر كييف الممضي

أمضت طهران ثلاثة و أربعين عاماً و هي واثقة الخطى في سيرها نحو انتاج نظامها الخاص ادارياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً. 

لم يلتفت حكام بلاد فارس إلى الوراء، فأمست إيران قوة إقليمية كبيرة، وهي تشارك اليوم بشكل فعلي في صناعة القرار في أربعة عواصم عربية و لها اليد الطولى في عدة دول أخرى، وأصبحت شؤونها الداخلية شؤوناً دولية بامتياز، وخاصة ملفها النووي الذي بات يُناقش على طاولة كبار دول العالم نفوذاً وسيطرةً و قوةً. 

 

  • من واشنطن إلى إيران.. تجدد لعنة سبتمبر بعد عقدين 

لعنة سبتمبر التي أصابت الولايات الأمريكية المتحدة قبل أكثر من عقدين، حلت اليوم على الجمهورية الاسلامية الايرانية. 

شهر أيلول هذا، كان شهراً مختلفاً عن كل الأشهر التي مضت على إيران خلال العقود الأربعة و السنوات الثلاث التي تلتها، لم يواجه نظام ولاية الفقيه غضباً شعبياً عارماً كما هو عليه الحال اليوم في مختلف أنحاء الجمهورية. 

كانت (مهسا أميني) تلك الفتاة الكردية العشرينية كلمة السر في اشعال فتيل هذه النيران التي اقترب لهيبها من عباءة الخامنئي. 

قبل هذه الهبة الجماهيرية الغاضبة، واجه النظام الايراني العديد من المظاهرات و الانتفاضات الجماهيرية الغاضبة، ولكنه - أي نظام طهران- بقي كما هو، وانتهى كل ذلك الحراك الجماهيري فيما مضى. 

 

  • رسائل الشارع الإيراني و خارطة المفاوضات الدولية 

يبدو أن هذه المرة أيضاً سينجو حكام طهران، لأن المجتمع الدولي و القوى الكبرى على وجه الخصوص، لا تريد اسقاط ولاية الفقيه. وبالتالي تلك القوى العظمى تسعى إلى إطالة أمد (الثورة الاسلامية في إيران) و في المحصلة الابقاء على التهديد التي تشكله إيران على دول الخليج بشكل خاص، تلك الدول التي ترى من إنه لابد من حماية دولية لها في وجه أطماع و تهديدات طهران، و في النتيجة هي مستعدة لانفاق المليارات من الدولارات كي تكسب حليفاً دولياً قوياً يستطيع الوقوف في وجه نفوذ و سلطة مرشد الثورة الاسلامية الايرانية. 

إن إخماد هذه الانتفاضة لا يعني إطفاء فتيل النيران التي اشتعلت غضباً في شوارع مدن و بلدات إيران انطلاقاً من كردستان، بل استطاعت الشعوب الايرانية و في مقدمتها الشعب الكردي من ارسال رسائل قوية للغاية لصناع القرار الدولي، مفادها بأن الشرخ أصبح كبيراً جداً بين الشارع الايراني والمرشد و من خلفه الحرس الثوري و الباسيج و الجيش و الحكومة، فما إن تتغير الحسابات الدولية سيكون من الممكن الوصول إلى باب قصر الخامنئي و قلب الكرسي و لكن بعد إراقة الكثير من الدماء، و هذا لن يحصل ما دامت الدول الكبرى مستفيدة من وجود التهديد الايراني على الخليج العربي. 

 

  • ثقة حكام العواصم المهددة.. من طهران إلى كييف 

خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في آخر يوم من أيلول\سبتمبر معلنا عن توقيعه لقرار ضم شرق أوكرانيا و أجزاء من جنوب تلك الدولة التي قدمت ترشيحها لنيل عضوية الاتحاد الاوروبي، مخاطبا العالم أجمع بأن القوة هي التي ستحدد شكل ومصير العالم بعد اليوم. 

الحرب التي بدأت في شباط هذا العام، عندما اجتاحت القوات الروسية أجزاء من اراضي أوكرانيا، جوبهت بمقاومة كبيرة من قبل الجيش الاوكراني و أبدى الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي ثقة كبيرة و جبروتاً عظيماً في مواجهة غطرسة موسكو قبل ثمانية أشهر. 

صحيح إن الثقة ضرورية و لكن هي ليست كل شيء في حسم نتيجة الحروب، فموازين القوة على الأرض هي التي تغرز مخالبها في الخرائط السياسية و مستقبل كل دولة أو منطقة تتعرض لعملية عسكرية، و بوتين كانت له كلمة الفصل في هذه الأشهر الثمانية ليجدد أمجاد أكتوبر الروسية.  

فمن شباط هذا العام إلى شهر أكتوبر من نفس العام تم قضم مساحات شاسعة من أوكرانيا و باتت لروسيا سيطرة شبه كلية على شواطئ البحر الأسود التي كانت قبل أكتوبر تابعة لأوكرانيا. 

 

وتقول لنا صفحات التاريخ لا مجد من دون دماء و البقاء للأقوى، و لكن تبقى واشنطن التي تراقب عن كثب و تدير كل هذه الخيوط المتشابكة هي التي تقرر في أغلب القضايا فكما كان عام 1979 عاماً لتغيير النظام الحاكم في إيران، و كما كان عام 1991 نهاية للاتحاد السوفيتي قد يكون في التقويم الامريكي أعواماً قادمة تستند إلى الرسائل التي تلقتها واشنطن من شوارع إيران و ثقة حكام كييف و من مناطق و دول أخرى، فلا يوجد عاقل على وجه البسيطة لن يحمل كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على محمل الجد، عندما قال: القوة هي التي ستحدد المستقبل السياسي في العالم.  

و لكن ليست موسكو لوحدها تملك كل أوراق القوة، فهناك من هو أقوى عسكرياً و اقتصادياً وستبقى دوامة الاستقطاب دائرة بين سبتمبر واشنطن و اكتوبر موسكو.