محمد محمود بشار يكتب لـ(اليوم الثامن):
حرب الأحجية المتعددة ومسارات الحلول العربية
شركاء الأمس القريب هم نفسهم أعداء اليوم، خطوط التماس وجبهات القتال متداخلة مع بعضها البعض حالها كحال السياسة و إدارة شؤون البلاد في وطن تلقى نسخته من الربيع العربي، فكان ربيعه ملتهباً بنيران مستعرة أحرقت كل الفصول و أبقت على فصل واحد وهو فصل الرصاص.
أطراف النزاع في السودان، كانوا شركاء في الحكم و إدارة البلاد لغاية منتصف نيسان الحالي.
(كل هوية هي خرافة سعيدة، تقص أحسن القصص على المنتمين لها) هكذا يقول الدكتور فتحي المسكيني في كتابه (الفيلسوف والامبراطورية.. في تنوير الانسان الأخير) ويضيف في نفس السياق: (لم يعد الدين و لا القبيلة و لا العرق أسباباً كافية للانتماء، فطفق الفرد الحديث يبحث لنفسه عن عنوان جديد لكيانه).
وعندما تنشب الحرب بين الرئيس و نائبه، فهذا يعني أن هذا الصراع هو لإزاحة الآخر تماما من المشهد السياسي، و هذه الإزاحة لن تتم بسهولة و في فترة قصيرة، فكل من رئيس مجلس السيادة السوداني (البرهان) و نائبه (حميدتي) يمتلك جيشه الخاص، و ولاء المنضويين في صفوف الجيشين ليس للسودان كوطن وإنما الولاء هو إما للبرهان أو لحميدتي.
وعلى هذا المنوال فقد دخل السودان نفقاً طويلاً مظلماً لن يخرج منه إلا منهكا مفتتاً وذلك بعد أمد طويل.
السودان يلم شمل الدول القوية و المفتتة في آن واحد
عند اللجوء إلى مقارنة أوضاع الخرطوم الحالية بأوضاع أي عاصمة عربية أخرى نالت حظها من حروب الربيع العربي، يكتنف الغموض الموقف، و تتعدد أسباب الصراع الذي تحول إلى حربٍ مفتوحة.
ففي كل دولة عربية نهشت الحرب جسدها، باتت أطراف الصراع الدولية والاقليمية و المحلية واضحة للقاصي و الداني.
بينما في السودان هناك تداخل غريب وعجيب في هذا الصراع الذي انطلق شرارته من عند قمة الهرم القيادي وبزخم كبير و بنيران كثيفة جداً.
حتى ليبيا المفتتة لها يد في هذه الحرب التي تدور رحاها الآن في السودان.
فإن كانت الأطراف الليبية بضعفها و عدم قدرتها على حلحلة أمورها والاتفاق فيما بينها على حكومة وحدة وطنية، هي قادرة بنفس الوقت على التدخل بقوة في الصراع بين البرهان و حميدتي، فهدا يعني أن هذه الحرب ستشيب لها الولدان، و من فر الآن من داخل هذه البلاد سيكون من بين الفئة التي ستنعت نفسها بسعيدة الحظ حتى ولو كانت مقيمة في الموزمبيق.
مسارات الحلول العربية وأنظمة عصية على الحل
وأخيراً تحرك العرب، واتفقوا على أن يكون اجتماعهم التشاوري في عمان، المنعقد في بداية شهر أيار الحالي هو بداية لمسار جديد بالنسبة للملف السوري الدموي والشائك جدا.
بداية مسار جديد لبلد مزقتها الحرب شر تمزيق، فبات ملايين السوريين خارج حدود بلدهم، و ملايين أخرى نازحين ضمن حدود البلد، و مئات الآلاف من الضحايا و المفقودين والجرحى.
وهذا يعني بأن سوريا تحولت إلى حقل للتجارب السياسية والعسكرية، فالحرب التي دخلت عقدها الثاني كانت محطة من محطات كثيرة، وهذه البداية العربية الجديدة هي أيضاً محطة أخرى يمر بها قطار الدم السوري، والذي يبدو بأنه لن يتوقف بهذه المحطة أيضاً.
طهران تسبق العواصم العربية بخطوة
كان لقاء العرب من أجل دمشق على مستوى وزراء الخارجية، فبادرت إيران لتخطو على مستوى الرؤساء، فقام الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي بزيارة دمشق وتم استقباله من قبل الرئيس السوري بشار الاسد الذي وصف العلاقات بين البلدين بالعريقة و الثابتة.
كما ألقى الرئيس الايراني كلمة في مقام السيدة زينب داخل العاصمة دمشق قائلا فيها بأن النصر كان حليفهم في سوريا و بالتالي سوريا انتصرت.
الخطاب الايراني كان مغايرا تماما ومختلفا عن الخطاب العربي، فالعرب قالوا سوريا تدمرت في سنوات الحرب، بينما الايرانيون كانت لهم كلمة أخرى فقالوا بأن سوريا انتصرت في هذه الحرب.
هي نفس الحرب ولكن تختلف الحسابات من طرف إلى آخر، ودافعوا الضرائب الحقيقيون اللذين لم يضمدوا جراحهم المثخنة من الحرب، وجدوا أنفسهم في مواجهة حرب إضافية وهي حرب المعيشة اليومية، حيث بات أغلب السوريون يصارعون اليوم من أجل الحصول على لقمة الخبز.
في كلمته التي ألقاها في مقام السيدة زينب، استعمل الرئيس الايراني جملة عربية في خطابه الفارسي قائلا (هيهات من المذلة) وعندما بدأ الشعب السوري بالتحرك سلميا في بدايات 2011 ضد النظام الحاكم رفع شعار(الشعب السوري ما بينذل).
وبعد اثنتي عشر عاما من الحرب، لم يبقى مواطن سوري واحد إلا و نال نصيبه من الذل والألم.
من المتوقع أن تكون ردة الفعل العربية المقبلة هي فتح أبواب الجامعة العربية للجمهورية العربية السورية و استقبال الرئيس السوري بشار الأسد في القمة المقبلة ليجلس على كرسي بلاده الشاغر منذ أكثر من عقد من الزمن.
حينها ومن على المنبر العربي المشترك ستشكر دمشق بلغة عربية جزلة طهران التي لم تتخلى عن حليفها.