كرم نعمة يكتب:

الحقيقة القبيحة

لم يكن هناك نقص في الكتب التي يتوق لها الجمهور لمعرفة المزيد عن فيسبوك كأكبر شركة غارقة في الظلام، لكن لماذا هذا القلق داخل عرين إمبراطور أكبر دولة رقمية عبر التاريخ من كتاب جديد!

ببساطة لأن الكتاب الجديد التي تم تداول عروض عنه قبل أيام من صدوره، يكشف الحقيقة القبيحة التي يمثلها فيسبوك.

قيمة الكتاب الجديد “حقيقة قبيحة: داخل معركة فيسبوك للسيطرة”، تكمن في اللمسة الصحافية المشوقة التي وزعها المؤلفان شيرا فرنكل وسيسيليا كانغ داخل المتن. فهما مراسلان لصحيفة نيويورك تايمز، وهناك جهد صحافي في استخلاص المادة أكثر من كونه كتابا أكاديميا تقليديا.

ممارسة العمى المتعمد إزاء الكارثة القادمة كانت واحدة من الأسباب التي ركز عليها المؤلفان، ويمكن أن نعزو إليه القلق عند مارك زوكربيرغ وفريقه من هذا الكتاب، بينما صدرت من قبل العشرات من الكتب عن فيسبوك بوصفه خطرا مستمر الضرر على المجتمعات والدول، ولا يمكن توقع عدم صدور كتب جديدة بنفس هذا التوجه. يكفي الإشارة هنا إلى أن المؤلفين استعانا بـ367 مصدرا كشفت عن عمل فيسبوك للسيطرة على العالم، غير أن زوكربيرغ لم تكن لديه مصلحة في المشاركة بهذا الكتاب أو حتى الدفاع عن شركته. بينما قطعت شيريل ساندبرغ مديرة العمليات في فيسبوك أي اتصال مع المؤلفين في الوقت الذي كانت تلوم فيه مواقع التواصل الاجتماعي اليمينية المتطرفة، بكونها لا تملك قدرات ومعايير وشفافية فيسبوك لوقف الكراهية.

يختصر لنا فرنك ولوكانغ فلسفة فيسبوك بموقف ممارسة العمى قبل حلول الكارثة “كم مرة حلت: التجسس، المتاجرة بحسابات المشتركين، التأثير على الديمقراطية…”، ويرى المؤلفان أن زوكربيرغ سيعيد نفس الخطوات السابقة عندما تحل كارثة جديدة: إدارة الأزمة بشكل سيء، تحميل الديمقراطية أسباب كل ما حدث، لوم الآخرين على أخطاء فيسبوك، الإعلام غير العادل، وأخيرا تقديم فيسبوك على أنها أفضل من يقوم بالأعمال الجيدة للعالم. وحقيقة الأمر لا تفعل الشركة أكثر من حصد أرباح خضوع المستخدمين لخوارزميتها.

كذلك يصل المؤلفان إلى تعريف فيسبوك في كتابهما المشترك كـ”حقيقة قبيحة” وأن الشركة عبارة عن آلة جني أرباح لا يمكن إيقافها، ليضاف إلى التعريفات السابقة لفيسبوك بوصفه شركة فوق الحكومات والقضاء، أكبر إمبراطورية رقمية في العالم يسكنها ثلاثة مليارات مستخدم، شركة تريد حكم العالم وليس ربط العالم فحسب، فيسبوك شركة غارقة في الظلام.

أهمية الكتاب المقلق جدا لزوكربيرغ ووزير خارجيته نيك كليغ، أنه يجيب على السؤال التاريخي للخبر الصحافي متى وأين ولماذا على وجه التحديد في كل ما يكشفه في سجل مثير عن الأخطاء المرتكبة خلال السنوات الخمس الماضية، ليصل المؤلفان في النهاية إلى نتيجة مفادها أن فيسبوك كحقيقة قبيحة يؤثر على العالم من الولايات المتحدة حتى مانيمار.

أجمعت غالبية العروض للكتاب المؤمل توزيعه هذا الأسبوع، على أن فصوله توثق نمطا واضحا خلاصته بأن عملاق وسائل التواصل الاجتماعي لا يفعل سوى أقل قدر ممكن لمنع وقوع الكوارث المدمرة لنسق المجتمعات، ثم يحاول بضعف تجنب اللوم وفق ذرائع عادة ما يتم اللجوء إليها في المظاهر العامة مثل تكرار التعبير عن الأسف وجملة “نحن نعمل لكي نصل إلى أداء أفضل” ثم الذريعة التقليدية لحرف الانتباه بجملة “نحن بحاجة إلى القيام بعمل أفضل”. وسرعان ما يتكرر هذا الكلام الشكلي بعد الكارثة التالية.

إلى ماذا نصل بعد ذلك، كمستخدمين لفيسبوك أولا، ومشرعين وحكومات وقضاة؟

لا يرجح متن كتاب “حقيقة قبيحة” ومتنه يتجول في ميدان معركة فيسبوك للسيطرة، تراجعا متوقعا في تأثير فيسبوك، حتى لو مرت الشركة بتحول جذري في السنوات القادمة. ويعزو المؤلفان ذلك إلى أن الخوارزمية التي تعمل بها تكنولوجيا فيسبوك بمثابة القلب النابض بالقوة والأرباح، الأمر الذي يستحيل التراجع عنه.

هناك ثنائية معلنة لبناء المنصة زعم فيها زوكربيرغ أن مهمة فيسبوك ليست مجرد ربط العالم، بل تغيير العالم من أجل النهوض بالمجتمعات. كيف له أن يوفق في ذلك؟

تلك الطوباوية لا يمكن أن تتحقق وفق مزاعم مدير فيسبوك، إن لم تكن مصدرا لضرر هائل يهدد المجتمعات أكثر من فائدة ربطها في منصة رقمية. تلك هي معضلة فيسبوك التي أسماها المؤلفان شيرا فرنكل وسيسيليا كانغ بـ”الحقيقة القبيحة".

لقد قام زوكربيرغ وشيريل ساندبرغ مسؤولة التشغيل السابقة وعضو مجلس إدارة فيسبوك ببناء نموذج عمل منهجي مدروس بدقة فائقة، لا يمكن إيقاف نموه الذي يجلب المزيد من الأرباح عبر المزيد من المستخدمين.

كان زوكربيرغ يخشى منذ البداية من اختراق الموقع، والأذى المترتب على ذلك للعاملين معه، واحتمال أن يتم تفكيك فيسبوك بطريقة هدم أعمدة المعبد على مشيديه. لذلك عمل بذكاء وتفان مع ساندبرغ على منع ذلك. الأمر الذي يدفع مؤلفي كتاب “حقيقة قبيحة” إلى استبعاد ترجيح تغيير من داخل فيسبوك، إن لم توجد قوة قانونية أعلى منه لفرض هذا التغيير.

وكما يبدو لبعض المحللين المدافعين عن فيسبوك، فإن هذا الكتاب يهدف إلى إثارة غضب الناس على عملاق مواقع التواصل، لكن أيا من أولئك الداعمين لزوكربيرغ وساندبرغ، لو استعادوا بعض المسؤولية الأخلاقية تجاه العالم، فإن ذلك الغضب سيكون مشروعا.

فكارا سويشر المختصة بالترميز الرقمي والكاتبة في صحيفة نيويورك تايمز، وهي تعلق على جملة الرئيس الأميركي جو بايدن “إنهم يقتلون الناس” في إشارة إلى أخبار فيسبوك المضللة عن لقاح كورونا، كانت تقول إن الأمر يحتاج إلى نقطة نهاية السطر! وهي تعبر عن اعتقادها بأن حقيقة الأمر تكمن بأن فيسبوك يعمل بمثابة بوابة لكلا المعلومات الزائفة والصحيحة عندما يتعلق الأمر بلقاح كوفيد – 19، غير أن سيول الأكاذيب تؤكد لنا أن زمام قيادة الإعلام بأيدي فيسبوك، مثلما تعيدنا إلى الجملة الشهيرة المختلف على قائلها “يمكن للكذبة أن تجوب نصف العالم، بينما الحقيقة ما تزال ترتدي حذاءها”.

في النهاية، أرى أن هذا الكتاب قصة صحافية متفجرة، دعونا نترقب آثارها، إن كان بمقدار العالم هدم المعبد على مشيديه.