خير الله خير الله يكتب:

المقارنة بمصر في مصلحة قيس سعيّد

تبدو حملات التضامن مع حركة النهضة في تونس، وهي حملات باشرتها أحزاب اسلاميّة في مختلف انحاء المنطقة بمثابة تأكيد لواقع فرض نفسه. يتمثّل هذا الواقع في انّ مبادرة الرئيس قيس سعيّد، التي قلبت الطاولة على الإسلاميين والانتهازيين كانت في مكانها. من يشارك في مثل هذا النوع من الحملات يرفض اخذ علم بالأرقام التي تشير الى انهيار تونسي على كلّ المستويات وتراجع كبير للاقتصاد ومستوى المعيشة لدى المواطن العادي.

 تعتقد هذه الأحزاب الاسلاميّة التي تربّت في كنف الاخوان المسلمين ان الشعارات تطعم خبزا وان الناس تستطيع الاكتفاء بالكلام عن مستقبل افضل من دون ان تفعل شيئا من اجل ذلك. هذه ليست مدرسة الاخوان السنّة وحدهم، بل هي مدرسة ميليشيات شيعية أيضا مثل "حزب الله" في لبنان. يعتقد الحزب ان صواريخه ستأتي بالدواء والوقود للمواطن اللبناني وسترفع من مستوى المدارس والجامعات وستوفّر وظيفة وطعاما لكل خريج جامعة!  

ليس قيس سعيّد من تحرّك في وجه النهضة. كان الرئيس التونسي رأس الحربة في هذا التحرّك. من تحرّك هو الدولة العميقة في تونس بأجهزتها ومؤسساتها والمجتمع المدني في الوقت ذاته. ما تبيّن، اقلّه الى الآن، أنّ النهضة لم تستطع استنهاض الشارع التونسي وتأليبه على الإجراءات التي اتّخذها الرئيس التونسي المنتخب بأكثريّة شعبيّة تفوق في نسبتها السبعين في المئة.

تمرّ تونس حاليا في مرحلة انتقاليّة في غاية الاهمّية. سيظهر في ضوء هذه المرحلة ما اذا كانت تونس قادرة على استعادة استقرارها الداخلي من جهة ومعالجة الازمات التي تعاني منها من جهة اخرى. في مقدّم هذه الازمات الاقتصاد وجائحة كوفيد – 19 التي كشفت هشاشة حكومة هشام المشيشي وعدم جديتها. كشفت الجائحة التي فتكت بتونس والتونسيين انّ المشيشي لم يكن سوى أداة استخدمتها النهضة من اجل شلّ نشاط رئيس الجمهوريّة ومؤسسات الدولة.

كان لافتا في الحملة التي يشنّها تنظيم الاخوان المسلمين بفروعه المختلفة المقارنة بين ما حصل في تونس في 25 تموز – يوليو 2021 وبين ما حصل في مصر في 30 حزيران – يونيو 2013. تلعب مثل هذه المقارنة بمصر في مصلحة قيس سعيّد وليس ضدّه. يحاول الرئيس التونسي انقاذ تونس. دفعه الشعب التونسي، باكثريّة كبيرة، الى ذلك. دفعه أيضا الجيش التونسي والمؤسسة الامنيّة التي تعرف تماما ما هو على المحك وما ستؤدي اليه الفوضى التونسيّة. لعلّ افضل تعبير عن هذه الفوضى مشاهد في مجلس النوّاب اعتدى فيها نواب من النهضة على نساء تجرّأن على قول الحقيقة في جلسات للبرلمان.

ليس لدى مصر ما تخجل منه اطلاقا. ما حدث في ثلاثين حزيران – يونيو كان ثورة شعبيّة حقيقيّة حرّرت مصر من نير الاخوان المسلمين وتخلّفهم. هناك من لا يريد ان يرى ان ليس المصري وحده الذي تحرّك لاسقاط حكم الاخوان الأسود الذي وضع في الواجهة الراحل محمّد مرسي الذي كان رجلا مسكينا لا يليق بمصر والمصريين.

ما حدث في مصر كان انقاذا لها بعدما صارت محكومة من قطاع غزّة. نعم، في عهد محمّد مرسي والاخوان، صارت مصر تابعة لغزّة و"حماس" بدل ان تكون مصر هي التي تتحكّم بغزّة وتعيد المجموعة التي تتحكّم بالقطاع الى جادة الصواب بدل الاستمرار في خدمة إسرائيل!

انتصر صوت العقل في مصر. يؤكّد ذلك التقدّم الذي تحقّق في كلّ المجالات منذ العام 2013. ليس سرّا ان مصر لقيت في تلك الحقبة من تاريخها الحديث دعما خليجيا واضحا وفوريّا من المملكة العربيّة السعوديّة ودولة الامارات العربيّة المتحدة ودولة الكويت من اجل تجاوز عهد الاخوان الذي كانت تراهن عليه ايران وتركيا في الوقت ذاته. وقفت مصر على رجليها واستعادت عافيتها. مصر القويّة ضرورة عربيّة، خصوصا عندما تبتعد عن الشعارات والكلام الكبير الفارغ من ايّ مضمون الذي اخذها الى هزيمة 1967.

سيكون على تونس السير على خطى مصر. سيتوقف الكثير على قدرة مؤسسات الدولة العميقة على الذهاب الى النهاية في عمليّة تستهدف إعادة "ثورة الياسمين" التي أطاحت زين العابدين بن علي الى المبادئ التي انطلقت منها.

المؤسف منذ رحيل بن علي ان تونس فقدت الكثير. فقدت الاستقرار والنمو الاقتصادي قبل أي شيء آخر. لم تعد المدن التونسيّة مدنا نظيفة. سادت الفوضى في كل بقعة تونسيّة. اكثر من ذلك، تدهور الاقتصاد وزاد الفقر. هذا الفقر لا يدفع سوى الى الإرهاب. هذا ما لا تدركه حركة مثل النهضة ومثيلاتها.

تحتاج تونس الى استعادة الجانب المضيء في ماضيها. الأكيد انّ حركة النهضة لم تستطع في أي وقت تقديم ايّ إيجابيات الى تونس. حصرت همّها في كيفية الاستحواذ على السلطة بطرق خبيثة. الأكيد انّها فوجئت بقيس سعيد وتصميمه على اخذ المبادرة ووضع حدّ للفوضى التي ارادت حكومة هشام المشيشي نشرها كي يتمكّن راشد الغنوشي من لعب دور الحكم بين رئيس للجمهورية في صراع مستمر مع رئيس الحكومة.

تستحقّ تونس مستقبلا افضل. كان الحبيب بورقيبة زعيما رائدا على كلّ صعيد. لو استمع اليه الضابط الريفي جمال عبدالناصر، لكان وفّر على مصر وعلى العرب الآخرين الكثير. وضع بورقيبة الأسس التي جعلت من تونس دولة متقدّمة في المنطقة. ما يحصل حاليا إعادة اعتبار الى بورقيبة. يقوم بعملية ردّ الاعتبار هذه التونسيون الذي ادركوا أخيرا معنى فقدان الاستقرار والدولة القويّة وحقوق المرأة ورفع مستوى التعليم.

نعم، إنّ مصر مثال يمكن ان تقتدي به تونس بعيدا عن عقد الإسلاميين الذين يعتقدون انّ لديهم مشروعا حضاريا يقدّمونه من اجل الاستيلاء على السلطة ولا شيء آخر غير ذلك.

ما شهدته تونس كان انكشافا لمشروع فوضوي لا افق له باستثناء اخذ البلد الى المجهول. في النهاية يستطيع كلّ تونسي ان يسأل نفسه ما الذي تستطيع النهضة تقديمه للمواطن باستثناء مزيد من التخلّف؟