أمين اليافعي يكتب:
ما هي عناصر الهوية الأكثر ثباتاً؟
سؤال إشكالي جداً، ويثير إجابات مختلفة، وكل مختص في العلوم الإنسانية يُحاول أن يسحب الإجابة إلى النطاق الذي يتحرك فيه تخصصه.
أصحاب الدراسات الثقافية يُشددون على أن أي هوية لا تقوم إلا على مرتكزات ثقافية مهيمنة. المؤرخون والقوميون قد يُشاطر جزء منهم وجهة نظر أصحاب الدراسات الثقافية، لكنهم يُشددون على إيلاء الاهتمام لابتكار سردية تاريخية أكثر تماسكاً، آخرون منهم يعتبرون التضامن والتآزر في الماضي وتشارك التطلعات والأحلام في المستقبل عنصرا حاسما في تشكيل الهويات الجماعية.
الإيديولوجي الصرف يعطي أهمية قصوى لتشارك الأفكار والمعتقدات والالتزام بها.
أما المختصون بالجغرافيا، والجغرافيا الثقافية على وجه التحديد، فلهم أيضاً رأي آخر وطريف.
فهم قد يكونون أقل حماساً لوجهة النظر التقليدية التي تقول بأن لكل جغرافيا طريقتها الخاصة والمؤثرة في تشكيل سلوك الناس، ولهذا سادت هذه الفكرة -التي لا تخلو من تعميم يُساء تأويله- بأن أبناء المناطق الحارة يختلفون في السلوك عن أولئك الذين يعيشون في المناطق الباردة، وكذلك الاختلاف الناشئ عن العيش في جبال، سهول، ريف أم حواضر... إلخ (ومن جوانب عدّة يتقاطع هذا الزعم مع تصورين آخرين: مع النظرية التطورية حيث يكون التكيف هو قلب وروح التطور، ومع أصحاب الاتجاه التاريخي، حيث تغدو الأفضية مثخنة بالزمن، لها ماض ومستقبل يقيدان الناس معا حولهما).
ومع إن هوية الفرد تُشكلها عدّة انتماءات، وكل انتماء هو عنصر من هوية مختلفة، لكن يصعب الفصل بين كل عنصر، فكل عنصر يخدم العناصر الأخرى وتخدمه، أي منفعة متبادلة في تشكيل الهوية، بداية من التفضيلات والهوايات الشخصية وليس انتهاء في رافع الهوية الأثقل: الإيديولوجيا، التاريخ، الجغرافيا.
وفي وسط هذا الجدل، وكإجابة عن سؤال المنشور، للمهتمين بالجغرافيا الثقافية الجُدد رأي آخر.
فهم وإن كانوا قد اعادوا تدوير أو تحوير الفكرة التقليدية عن دور الجغرافيا في تشكيل الهويات بعض الشيء عبر مسار تبادلي تفاعلي، بحيث قد يؤدي تغيير الحديقة إلى تغيير معتقدات المرء، بنفس الطريقة التي يؤدي تغيير معتقدات المرء إلى تغيير شكل الحديقة... لكنهم يُشددون على أن العنصر المستمد من الجغرافيا والمساهم في تشكيل هوية الفرد هو الأكثر ثباتاً ورسوخا لأطول زمن ممكن - اللون، الهيئة... إلخ - من بين جميع العناصر الأخرى، ليس لأن "الإقليم ميدالية خُتمت على شبه أصحابها" كما قال عالم الجغرافيا بول فيدال دو لابلاش فحسب، ولكن حتى الفحص الجيني (DNA) له رأي داعم لمثل هذا التصور.