سمير عطا الله يكتب:

المعرفة بالاضطرار

هذه المسائل كانت تترك للعلماء، الكبار منهم والراسخين في العلم، فالعامة من أمثالنا، لا تعرف ولا يهمها أن تعرف، ولا هو مهم أن تعرف ما قد عرفت. فماذا يعني لنا اكتشاف يبلغنا أنه تم تحديد عمر كوكب آخر بملياري عام. أو التأكيد أن شجرة اكتشفت في كندا تعود جذورها إلى مليون سنة.
نحن، العامة سوف نمضي إلى أعمالنا في الصباح، ونعود في المساء، وهمنا الأول التأمين الطبي والزيادة في أقساط المدارس، أما أن مذنباً خطراً يتجه نحو الأرض، وسوف يصل إليها بعد 150 ألف سنة، فربما تكون آنذاك قد شُكلت حكومة لبنانية جديدة واستعدت للصور التذكارية مع فخامة الرئيس.

شيئاً فشيئاً، لن يعود هناك علماء وعامة، فيما يتعلق بحياتنا على الكوكب الأزرق. ولن تبقى علاقتنا بالمناخ مجرد الإصغاء إلى نشرة الطقس التي اعتدناها: الحرارة 40 في الكويت و45 في مسقط و22 في الطائف، من منتصف يونيو (حزيران) إلى منتصف أغسطس (آب). ولا مفاجآت خطأ. يبدو أنك لم تدرك بعد ماذا تعني «التغيرات المناخية»، وأن المطر سوف يهطل جليدية في تهامة في أواخر يوليو (تموز)، وسوف تتشقق جدران الجليد في بلاد الإسكيمو من ارتفاع الحرارة. وتمزق العواصف الرهيبة وتلهبها الحرائق غير المعروفة أو المألوفة، وما بين ما تنفثه الجدران الجليدية في القطبين وما يخلفه دخان الحرائق، الويل لنا جميعاً، أهل هذه المعمورة.
يبدو يا صديقي أن الأمر شديد الخطورة. أما إذا تساءلت كيف للعامة أن تعرف ذلك، فلأنني قرأت أن الإدارة الأميركية أنشأت للمرة الأولى في التاريخ كرسياً حكومياً أطلقت عليه اسم «المبعوث الرئاسي للمناخ»، وعينت عليه المستر جون كيري. قد يساعدنا قليلاً، في عالم النسيان السريع، أن نتذكر من هو المستر كيري.
يبلغ كيري السابعة والسبعين من العمر. وكان يستعد للتقاعد عندما نادى عليه صديقه جو بايدن. كلاهما من قدماء الإدارة. بدأت شهرته محارباً مدججاً بالأوسمة في فيتنام، ثم ناطقاً باسم الجبهة المعادية للحرب. وأصبح عضواً في مجلس الشيوخ من 1985 إلى 2017 وخسر معركة الرئاسة أمام جورج دبليو بوش عام 2004، ثم أصبح وزير الخارجية في إدارة باراك أوباما. سوف يحمل معه هذه السيرة الذاتية عندما يحضر في غلاسكو (اسكوتلندا) في أكتوبر (تشرين الأول) المؤتمر الأممي حول التغيرات المناخية.
ماذا سيفعل كيري والمجتمعون؟ سوف يحاولون إبقاء حرارة الأرض تحت 1.0 درجة. ماذا يعني ذلك؟ لا أعرف. لكن على ما يبدو، يهدف إلى حماية كوكبنا البالغ الهشاشة من هذه الأضرار التي تلحقه بالبيئة، فتهدد حياة الدببة القطبية، وغابات الأمازون. وحياة الطيور في المكسيك. والزواحف في جبال الروكي الحمراء. هل هذا مهم لنا؟ طبعاً. لأن هذا الكوكب كائن واحد. أو جسم واحد. وإذا أصيب بالحرارة في مكان، تداعت له جميع الأجزاء.