كرم نعمة يكتب:

لا شهر عسل عند إدارة بايدن مع العالم العربي

قد يمنح الأميركيون الرئيس جو بايدن أشهرا من العسل كمقدمة اختبار للحكم على أدائه في ما يتعلق بشأنهم الداخلي من السيطرة على فايروس كورونا وصدمة ما بعد الوباء، وحتى قوانين الضرائب ونظام الدعم الاجتماعي. لا يهمنا كثيرا إن كان انتهى أو لا يزال مستمرا عسل تحقيق الوعود الانتخابية بين بايدن والشعب الأميركي، فمحن العالم العربي التي تسببت بها الولايات المتحدة أشد بكثير من الهموم السياسية والاقتصادية للشعب الأميركي.

شهر العسل المفترض بين الرئيس والشعب الأميركي يتحول في المقابل إلى جس نبض وأشهر اختبار عندما يتعلق الأمر بالدور الأميركي بأحداث العالم العربي. أما وصف السفير الأميركي السابق في سوريا والجزائر روبرت فورد، الرئيس بايدن بالعملي في الأمور السياسية الخارجية، فتفنده الوقائع المستمرة، على الأقل من وجهة نظر العالم العربي.

بعد سبعة أشهر من الترقب والتوجس يبدو أن الوقت كفيل بأن يجعل الدول العربية تدرك الاستراتيجية الأميركية تجاه ما يحدث.

من السهولة بمكان أن نعرف الانقسام العميق بين النخب الأميركية بشأن ترك بلدان الشرق الأوسط تعيش جحيمها الذي وصلت إليه نتيجة الأخطاء الأميركية، أو العودة إلى التدخل الحاسم لإعادة ضبط الأمور هناك من العراق حتى أفغانستان.

استقبال الرئيس الأميركي للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي لم يكن كافيا بدرجة ما لرفع منسوب الأمل عن الدور الأميركي المرتقب في المنطقة، على الأقل تصحيح أخطاء ما ارتكبته الإدارات السابقة من جورج بوش الابن مرورا بأوباما حتى ترامب. فالتقاط الصور مع بايدن لا يعني أن القرارات الحقيقية اتخذت أثناء اللقاء في رواق البيت الأبيض!

بدأ الاختبار في الحرب الإسرائيلية على غزة، واكتشفنا أن الإدارة الأميركية غير معنية بها كثيرا، كان بايدن حينها يجرب قيادة سيارة جديدة في ميشيغان رافضا الرد على أسئلة الصحافيين عن الموقف الأميركي مما يحدث بين الإسرائيليين والفلسطينيين آنذاك.

كان ذلك مؤشرا أوليا مخيبا بالنسبة إلى حكومة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهي تترقب بعض التغيير في المسار، على الأقل لإخراجها من عزلتها، وبعد أن اعتبرت أن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لم تكن وسيطا نزيها بينها وبين إسرائيل.

ومع أن الإدارة الأميركية لم تضع بعد الملف السوري في أدراج الحفظ، لكنها لم تعلن عكس ذلك، ويمكن لنا أن نفترض أنها لا تملك ولا ترغب بالمشاركة الدولية في وضع استراتيجية لمستقبل سوريا كما تفعل روسيا! الأمر الذي يدفع إلى إطلاق حزمة أسئلة عن الدور الأميركي في صناعة مستقبل البلاد المدمرة، فهل تركت كل ما يتعلق بسوريا لروسيا وتركيا وإيران؟

في تونس لا تبدو إدارة بايدن تعلمت من الدرس التاريخي المتعلق بأحزاب الإسلام السياسي وضررها البالغ على مستقبل البلدان بعد قرارات الرئيس قيس سعيّد، في وقت حذرت مايا كارلين المحللة في مركز السياسات الأمنية في واشنطن إدارة بايدن من التعامل مع الأحداث الراهنة في تونس، كما تعاملت إدارة باراك أوباما سنة 2013 مع التظاهرات المصرية التي اندلعت للمطالبة بإسقاط حكم الإخوان.

وعندما يتعلق الأمر بالعراق فعلى الأغلب يقفز المثال الأفغاني وما يحصل اليوم وقبل استكمال انسحاب القوات الأميركية. البلاد برمتها تسقط بيد طالبان المتطرفة، بينما نهج بايدن في العراق مبني على كل ما هو غائب في أفغانستان، وفق تعبير ديفيد إغناطيوس الكاتب في صحيفة واشنطن بوست بعد أسابيع من لقائه برئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي في بغداد.

الولايات المتحدة لم تربح الحرب في أفغانستان، وطالبان لم تتغير ولا يمكن أن تتغير، بينما اختار الرئيس بايدن الانسحاب الكامل. هذا يعني أن الولايات المتحدة تترنح لتنهي المهمة هناك إلى لا شيء. ومثلما لا تتغير طالبان، فإن إيران لا يمكن أن تتراجع عن استراتيجيتها في العراق. وفي النهاية ما يحدث في أفغانستان لن يبقى في أفغانستان وحدها مثلما هو الحال في العراق.

في يوم ما قدم جورج بوش الابن العراق على طبق من التفاهمات الكارثية إلى إيران، وسياسة بايدن في العراق إلى حد الآن لا تعمل على كسر هذا الطبق الذي تحول إلى سجن كبير للعراقيين تديره الميليشيات التي تدين بالولاء إلى إيران.

ماذا عن إيران نفسها؟ الواقع السياسي يتسع هنا في الإجابة عن السؤال، فالاختبار ما زال مستمرا، مع أن صمت الإدارة الأميركية يبعث برسائل غير حاسمة تجاه طهران، دعك من تجاهل التظاهرات الإيرانية المطالبة بإسقاط النظام وتهديد الملاحة الدولية في الخليج العربي، الأشد من ذلك هو إغلاق إدارة بايدن آذانها عن صراخ التهديد الإيراني وكأن الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي يستخدم معادلا تعبيريا لجملة الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشيف سنة 1956، عندما توعد الأميركيين بكلمة “سندفنكم”. مقابل ذلك اختارت الإدارة الأميركية مسؤولا من الدرجة الثانية للرد على رئيسي، وهو ما عبر عنه نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية بالقول “هذه العملية لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، وعند مرحلة ما ستتلاشى فوائد إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بما يحرزه البرنامج النووي الإيراني من تقدم”.

فهل يبدو ذلك محرضا لعودة الولايات المتحدة إلى المنطقة من جديد؟ دعونا نرى!. مع ذلك ثمة ثغرة واسعة في التحليل الغربي للنظام الإيراني لا يقتصر على الإدارة الأميركية وحدها.

هناك عدم رغبة أو فشل مستمر في فهم الطبيعة الحقيقية للنظام الراديكالي الذي لا يمكن أن يتحرك خارج عباءة المرشد علي خامنئي، فالاستناد على ثنائية متشدد – إصلاحي التي بدأ الترويج لها من طهران أولا، تهدف بالأساس إلى التأثير على السياسة الغربية وجعلها تصب في صالحه، وهي ثنائية تضمر أكثر مما تكشف، لأنها ليست حقيقية بالمطلق، فأن تكون سياسيا بجبة رجل الدين الطائفي، لا يمكن أن تصبح إصلاحيا، سواء كنت محمد خاتمي أو حسن روحاني!

وهناك قلق معلن عند دول الخليج العربي من إيران ومن سياسة إدارة بايدن وهي تذهب باتجاه احتواء طهران وليس ردعها. السعودية لا تخفي ذلك وفق آخر تعليق لوزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان خلال مشاركته هذا الأسبوع في منتدى نظمه مركز منتدى أسبن للأبحاث الأمنية في واشنطن بتأكيده أن بلاده ترى أن إيران باتت أكثر جرأة وأنها تنتهج أساليب سلبية في أنحاء الشرق الأوسط.

إلا أن بيكا فاسر الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد يضع لنا إجابة واهنة على تحذيرات وزير الخارجية السعودي، متذرعا بفكرة أن البنتاغون يريد الانتقال إلى ما يصفه بوضع توزيع القوات، والاعتماد على قواعد أصغر تمتد على مساحات أكبر، حيث تكون قادرة على التعامل مع هجمات صاروخية، على غرار تلك التي أطلقتها إيران على القوات الأميركية في العراق!

يوجد مأزق سياسي في المنطقة تتسبب به إيران، بينما إدارة بايدن تريد قبوله كما هو، لتكون لدينا ثلاث نسخ من حزب الله تديرها طهران وتمتد من بغداد مرورا ببيروت وحتى صنعاء. فبعد تلك الأشهر حيث نظم الرئيس الأميركي أولوياته في السياسة الخارجية، يبرز السؤال أمام الأنظمة العربية، ما الذي ستفعله لمواجهة الواقع الذي نجحت إيران بفرضه عليها؟

كل القراءات ترى أن ما ينتظر المنطقة من أحداث ستكون جذرية، كلما تسنى للتاريخ استعادة ولاية الرئيس إبراهيم رئيسي، سواء تحقق الاتفاق الأميركي الإيراني بشأن البرنامج النووي، أم تعثر.