محمد محمود بشار يكتب:
اعترافات الأسد بعد عشر سنوات من الحرب
هذه المرة لم يصفق له أحد و لم يرفع أحد من الوزراء الحاضرين – الجدد منهم و القدماء – شعارا كالذي رفعه احد أعضاء مجلس الشعب (البرلمان) قبل عشر سنوات عندما قال له: (قليل عليك ان تقود الوطن العربي و عليك ان تقود العالم يا سيادة الرئيس)، حينها ضحك الرئيس و ضحك معه القوم و كانت هذه المقولة المستندة لعقلية الحكم لهقدو من الزمن، هي بمثابة شرارة البداية التي أحرقت سوريا كدولة و شعب.
في الرابع عشر من آب/أغسطس الجاري ترأس الرئيس السوري بشار الأسد جلسة الحكومة السورية في دمشق التي أُعلن عنها حديثاً و ألقى كلمة تم نشر 33 دقيقة منها من قبل الاعلام السوري الرسمي.
في هذه الجلسة و بعد عشر سنوات من الحرب يعترف الأسد بعدة أخطاء و نواقص تم ارتكابها من قبل نظامه الحاكم، لأول مرة منذ تولي عائلة الأسد السلطة يتم استخدام مصطلح (الانتقال من المركزية إلى اللامركزية) وذلك بعد فشل استراتيجية المصالحات التي كانت محافظة درعا المثال الأكثر وضوحا في تطبيق هذه الاستراتيجية التي لم تؤت بالثمار التي كان يشتهيها الأسد. فباتت الأوضاع الحالية في درعا و السويداء ايضاً تشير الى رغبة سكان تلك المناطق، بإدارة مناطقهم بأنفسهم بعيداَ عن تسلط المركز عليهم.
كما إن تجربة (الإدارة الذاتية لشمال و شرق سوريا) التي تحميها قوات سوريا الديمقراطية، باتت إنموذجا لقدرة السكان المحليين على إدارة مناطقهم من دون الاعتماد على حكام دمشق، فهذه المنطقة حاليا لديها حكومتها المحلية التي تدير شؤون المواطنين و لديها جيشها المتمثل بقوات سوريا الديمقراطية، و كذلك لديها جهازها الأمني و القضائي و نظامها التعليمي الخاص. و على الرغم من التهديدات و المخاطر التي تعرضت لها شمال و شرق سوريا، الا انها أثبتت بأنها تجربة تستطيع الاستمرار و البقاء و تقديم ما يمكن تقديمه للمواطنين في ظل الحرب و الحصار.
اعتاد المواطن السوري على أن منصب رئيس مجلس الوزراء غير مهم، حتى أن عدد كبير من المواطنين السوريين كانوا و ما يزالون يجهلون اسم رئيس الوزراء. الوزراء ايضاً ليسوا بأكثر حظاً من رئيس مجلسهم، فالوزراء في الدولة السورية مهمون فقط لأفراد عائلاتهم و الحاشية التي تحيط بهم.
يعترف الأسد بالحقائق كما يقول من دون الغرق في التشاؤم و التفاؤل، فيقول لن يعود الوضع كما كان عليه في السابق و يستعمل عبارة (الظروف لن تسمح لنا) و هذه العبارة كانت غائبة تماما عن خطابات الرئيس السوري فيما مضى.
عدم وجود شفافية في تعامل الحكومة مع المواطن و تغييبه بشكل كامل عن اتخاذ القرار، و تهميش الأرياف و الأطراف لصالح المدن الكبيرة و المركز، الفوضى في عمل الوزراء و المسؤولين و العمل من دون منهجية، انعدام الاستراتيجية في العمل الحكومي، تهرب التجار الكبار من دفع الضرائب، وجود شبكات منظمة للتهريب و عدم قدرة الدولة على مواجهة التهريب، استشراء الفساد، و ضعف أداء المؤسسات الاعلامية الرسمية و عدم نشرها ما يهم المواطن، كل هذه النقاط جاءت في كلمة الرابع عشر من آب.
(أصبح من غير الممكن للسلطة المركزية أن تدير البلد بشكل مركزي) هكذا يقول الأسد و يقر بانعدام القدرة على تطبيق القوانين التي صدرت من قبله كقانون الادارة المحلية و قانون الاستثمار.
منذ عقود من الزمن و بعد عشر سنوات من الحرب، تأتي اعترافات بشار الأسد على شكل كلمة في جلسة مجلس الوزراء، ليكون بالتالي أول رئيس سوري يعترف بجملة من الأخطاء الكبيرة، صحيح إنها جاءت متأخرة و لكن كما يقول المثل أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي و لكن قد يكون هناك من يقول أن تأتي متأخراً عليك أن لا تأتي أبداً.
الأمر الواقع يقول بأن سوريا أصبحت دولة لا مركزية من دون وجود أي نص دستوري أو مرسوم رئاسي أو قرار مركزي ينص على الانتقال إلى اللامركزية، لذلك فإن التحدي الأكبر الذي سيواجه الأسد في الأيام القادمة هو تطبيق ما قاله في الرابع عشر من آب.
قبل أن ينهي كلمته، يتوجه بنظره إلى الوزراء الجدد و القدامى و يقول الأسد: يجب على كل فاسد أن يشعر بالقلق في كل لحظة. و بحسب ملامح وجهه و نظراته، فهو يهدد الوزراء. و تهديد الرئيس للوزير في بلد مثل سوريا يعني أنه لا مفر، و هو بحد ذاته يعود بالجميع إلى المربع الأول و ما جاء في بداية المقال بأن عدد كبير من المواطنين السوريين يجهلون اسماء الوزراء و رئيس مجلس الوزراء كون هذه المناصب غير مهمة في عملية إدارة البلد التي يقود دفتها لحد الآن رجال الأمن المقربين جداً من الأسد.
*كاتب سوري