محمد خلفان يكتب:
الإمارات تجفف منابع الإخوان
ساهمت وقفة دولة الإمارات مع تونس خلال الأزمة الحالية متعددة الجوانب (اقتصادية، صحية وسياسية..) في إحياء إرث العلاقات بين البلدين، والتي بدأت منذ الأيام الأولى لتأسيس دولة الاتحاد، حيث تقيم الإمارات مع تونس واحدة من أقدم العلاقات مع دول المغرب العربي.
ودخلت العلاقة هذه الأيام، في ظل طبيعة الأزمة التي تسبب فيها حزب النهضة التونسي بزعامة راشد الغنوشي، مرحلة جديدة في إعادة التفكير من أجل ترتيب أولويات ملفات التعاون بينهما، مع أنها منذ البداية تأسست وفق قواعد العلاقات الدولية القائمة على الشراكات والتعاون، ولم تكن تغلب عليها العاطفة السياسية المعروفة في العلاقات العربية، بل كانت قائمة على المصالح.
وبعيداً عن التفاصيل الإعلامية لدعم تونس، فإن التحرك الإماراتي الجديد يشير إلى المساعدة في إنشاء حزام من الدول العربية لحماية الأمن القومي العربي من خلال ردع نشاط اللاعبين الإسلاميين المعادين لاستقرار وأمن الدولة الوطنية، كما أن التحرك ليس بعيداً عن خدمة المصالح المشتركة القديمة لترسيخها وتعزيزها، فهذان البعدان هما ما صارت البلدان العربية تسعى لهما لضمان استمرارية العلاقات بدلاً من الهزات الطارئة التي تحدث مع كل اختلاف بسيط.
وتأتي الزيارة التي قام بها أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان قبل أسبوع إلى تونس حاملاً رسالة منه بهدف دعم موقف الرئيس التونسي قيس سعيّد في قراراته التاريخية بشأن الحفاظ على الدولة التونسية، والحيلولة دون اختطافها من قبل تنظيم الإخوان المسلمين. ويمكننا أن نستشف مكانة تونس في القضاء على أخطر تهديد تواجهه الدولة الوطنية في العالم العربي، فهي إحدى المعاقل التاريخية لهذا الفكر التخريبي، خاصة في منطقة المغرب العربي، بعد أن تم القضاء عليه في المشرق العربي في معقله الأساسي مصر، وفي دول عربية أخرى.
الملاحظ أن هناك حالة من تضييق محكم للخناق على هذا التهديد والخطر بعد أن توحدت وجهات النظر العربية، الرسمية والشعبية، تجاه أهمية القضاء على تيار الإسلام السياسي بكل انتماءاته. وهذا ساهم بشكل واضح في عودة الدفء إلى العلاقات العربية – العربية، وبالتالي الاستبشار بعودة الدور الإقليمي العربي للملمة الملفات المترهلة.
ما يمكن استنتاجه في الوقفة الإماراتية الحالية تجاه تونس نقطتان مهمتان، النقطة الأولى: أنها رسخت مواقف القيادة الإماراتية الداعمة لكل الأشقاء العرب أوقات الأزمات والمحن، خاصة في مواجهة الأزمات التي لها علاقة بالسيادة الوطنية. كما بينت صدق الإمارات في سياستها الخارجية تجاه شعوب العالم في مواجهة التحديات التي تتعرض لها دولهم، ووقفتها في تثبيت الاستقرار والأمن المجتمعي باعتبارهما أساس كل الخطط التنموية وقصص النجاح.
وإلى جانب ما يربط الإمارات بتونس من علاقات وطيدة وتاريخية، إلا أن الوقفة الجديدة أكثر صدقاً لأنها تأتي في وقت تمر فيه تونس بظرف خطير يكون فيه للموقف بعد آخر وفهم أعمق وأكثر أهمية مما يحدث في الأوقات الاعتيادية. فعادة تقاس المواقف السياسية الشجاعة في اللحظات الحرجة وخلالها يقاس مدى بعد الرؤية الاستراتيجية لقادة الدول، وهو ما يرسخ في أذهان الشعوب.
أما النقطة الثانية التي يمكن لنا الخروج بها من هذه الوقفة التاريخية فهي أن التحرك الإماراتي في دعم قرارات الرئيس سعيّد إنما هو بصورة أوسع وأكثر شمولية يذكرنا بالموقف الإماراتي التاريخي تجاه مصر، والمتمثل في عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي وفق ثورة الثلاثين من يونيو (حزيران) 2013 وتصحيح مسار الدولة المصرية.
في كلتا الحالتين، مصر وتونس، صبّ الموقف الإماراتي في صالح الحفاظ على استقرار المنطقة العربية والتغلب على التحديات الداخلية، وبالتالي في إيقاف حالة السيولة السياسية والأمنية التي تعيشها الدول العربية وأدت إلى أن تشكل فراغاً سياسياً تملأه قوى إقليمية من التمدد في داخل المجتمعات لتنفيذ أجنداتها ومشروعاتها السياسية بمساعدة من هذه التيارات التي لا تعترف بالحدود الجغرافية وإنما بالحدود الأيديولوجية لها.
المراقبون والمحللون باتوا اليوم ينظرون بعناية وبشيء من الاهتمام والإعجاب إلى الدور الإماراتي عربياً. وهو ما نتج عنه توحيد وجهات النظر تجاه خطر هذه التيارات وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمين ومن يدعمه من الأنظمة ومن يتعاطف معه. وتوسع هذا الإعجاب ليشمل أولئك الذين كانوا يتحفظون على الموقف الإماراتي الذي حدد مساره منذ البداية وهو مواجهة “الإخوان” بعد أن قيمت خطر هذا التنظيم على الدولة الوطنية.
قبل عقد تقريباً عندما ظهرت موجة صعود تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي إلى السلطة وشملت وفق "نظرية الدومينو" باقي الدول مثل سوريا واليمن وليبيا وبعض المناطق بنسبة أقل، كانت المواقف متباينة للغاية مع الموقف الإماراتي الصريح والواضح.
المهمة الرئيسية لكل الدول اليوم هي محاولة التقارب الاستراتيجي لتشكيل حزام من الدول يتوافق مع التوجه الإماراتي لحماية مجتمعاتها من الاختراق من قبل المعادين للاستقرار. والرائع أن هذا الحزام الاستراتيجي يسير نحو إنجازه وبجدارة.
ردود الفعل العربية المؤيدة لقرارات الرئيس سعيّد وغيرها من المواقف الدولية الساعية لدعمه، مثلت مفاجأة لراشد الغنوشي نفسه الذي يبدو أنه لم يستوعب بعد التغيرات الحاصلة في العالم، وما زال يعيش في زمن غفلة الشعوب عن أجندات هذه التنظيم. دفعت تلك المواقف الغنوشي إلى تغيير موقفه ورأيه من قرارات سعيّد، فبعد أن اعتبر ما قام به سعيّد انقلاباً، بهدف تحريض المجتمع الدولي على التونسيين، غير موقفه واعتبر تلك القرارات خطوة إيجابية لتقييم تجربته الإخوانية، بل إن داعمي الغنوشي وغيره من تيارات الإسلام السياسي، وأقصد هنا دولة قطر، انتقدوا ممارسات الغنوشي وتمسكه بالسلطة، في إشارة اعتبرت نوعاً من الاعتراف بفهم الرسالة السياسية لمستقبل الإخوان عربياً وعالمياً، وبأنها بداية للقضاء على هذا الفكر بعد أن تلقوا ضربتين قويتين في مصر وفي تونس.
منذ أن اتخذت الإمارات موقفها الشجاع والواضح في عام 2011 في مواجهة خطر تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي على الدول العربية، كانت هناك دول (وهي أغلبية) تحاول الموازنة بين إيجابيات هذا التنظيم وسلبيات التعامل معه، مع أن الأغلبية تدرك أن تاريخ هذا التنظيم لا يوجد فيه شيء إيجابي يعود بالخير على الدولة والمجتمع. اليوم الكل يتكلم عن الحاجة إلى موقف حازم وحقيقي لترجيح الموقف الإماراتي ذي النظرة بعيدة المدى.