كرم نعمة يكتب:
نساء وصحافيات.. الإدانة مضاعفة عند طالبان
الكابوس الذي تعيشه الصحافية الأفغانية نسرين نوا، مع أنها خرجت من طوق طالبان قبل ساعات من سقوط العاصمة كابول بأيدي ميليشياتهم، يكاد يتكرر اليوم مع كل نساء أفغانستان، إلا أن تكون المرأة الأفغانية صحافية أيضا، فهذا يعني أمرا مضاعفا عند العقلية الطالبانية الغارقة في الظلام.
موجعة شهادة نسرين التي نشرتها في صحيفة واشنطن بوستبعد تلاشي أي أمل أمام النساء هناك بمجرد هروب الرئيس الأفغاني وتهاوي الجيش وإعادة فتح المزيد من متاجر بيع البرقع الأزرق. لقد أخليت الشوارع من النساء إلا أن مراسلة شبكة “سي.أن.أن” أطلّت علينا من كابول لكن بحجاب مجعد لفّته على شعرها بطريقة عاجلة.
من المفيد استعراض ما أفضت به الصحافية الأفغانية وهي تكشف عن اسمها الحقيقي لأنها بعيدة عن طالبان اليوم، بينما نجحت صحيفة الغارديان في استطلاع عدد من الصحافيات الأفغانيات اللواتي تحدثن بأسماء مستعارة عن الرعب الذي يكتنفهن.
نسرين نوا التي عملت مراسلة لهيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي فارسي” في كابول مصابة بما يمكن أن نسميه “كابوس طالبان” وهو أشد الكوابيس عندما يتعلق بالنساء ويزداد ضراوة عندما تمتهن النساء الصحافة.
لم تتخلص من ذلك الكابوس الذي ينتابها يوميا كحلم مزعج ومستمر، تحول إلى حقيقة، هي تركض مسرعة لإنقاذ نفسها، بينما شقيقتها الصحافية أيضا تتخلف عنها بمسافة خطوات وعناصر طالبان يلاحقونها. أنقذت نسرين نفسها بينما بقيت شقيقتها في سجن النساء الكبير بعد أن أُعيد غلق بواباته من جديد.
وكتبت “منذ ما قبل مغادرتي كابول قبل أيام قليلة، ما زلت أعاني من نفس الكابوس: أختي تركض وتتعرق وتنزف، يليها مقاتلو طالبان في شوارع كابول”.
كانت شقيقة نسرين بين حشود الآلاف الذين لجأوا إلى مطار كابول للهروب بعد فرار الرئيس “الديمقراطي جدا”! لم تقلع الرحلة وبقيت الصحافية الشابة تمسك بجواز سفرها، بينما سد طريقها مئات الأشخاص المتدافعين خوفا من أصوات تتعالى “طالبان هنا، وصلت إلى المطار”، وهكذا بقيت هذه الصحافية مثل ملايين النساء غارقة في بحر من الفوضى والخوف والخيانة.
عندما هربت نسرين يوم الجمعة قبل سقوط كابول تركت أختها ووالدها هناك، واليوم لا تفعل تحت وطأة الانهيار غير البكاء مثل طفل متروك على قارعة الطريق لا يدري ما حل بأهله.
كانت نسرين وأختها شغوفتيْن بعملهما في الصحافة، والأكثر من ذلك تمارسان رياضة ركوب الدراجات مثل كل النساء الطبيعيات، لكن لا يمكن لهما ولأي امرأة أفغانية اليوم أن يتخيلن أنه يمكن لهن مشاهدة امرأة تقود دراجة في شوارع البلاد.
عادت الصحافية الشابة إلى منزلها بعد أن أقفل المطار في وجهها مثل آلاف غيرها، وأول شيء فعلته أخفت بطاقة هويتها الصحافية وهشمت آلتها الموسيقية، فهي إدانة لا تقبل النقض عند طالبان لقتل هذه المرأة الصحافية وعازفة الغيتار! يا للشريعة عندما تجمع ثلاث موبقات عند المرأة، ألا يكفي أنها عورة، ثم صحافية وعازفة موسيقية!
تشعر نسرين مثل أختها بأن العالم برمته أدار ظهره إلى أفغانستان، كما تشعر النساء بالخيانة، ولا يملكن غير القنوط. حتى مرارة وجع تصريح الرئيس الألماني فرانك – فالتر شتاينماير، الذي وصف مشاهد الأفغان اليائسين في مطار كابول بعار على الغرب، لا تخفف أسى امرأة أفغانية واحدة. بينما جميع الأفغان يعيشون حالة من الذعر والارتباك، والعالم لا يفعل أكثر من عرض صورهم على الشاشات، والاكتفاء بالاستماع إلى تصريحات قادة طالبان الجوفاء بأنهم تغيروا ولم يعودوا كما كانوا قبل عشرين عاما!
لا ترى الصحافية نسرين وشقيقتها في المستقبل سوى ظلام دامس، ولا أحد يرشدهما فيه إلى الطريق. وهو نفس الانطباع الذي تشترك فيه كل الصحافيات في أفغانستان اليوم.
لقد نجحت صحيفة الغارديان البريطانية بنقل تلك المشاعر من صحافيات أفغانيات لازلن خلف أسوار سجن النساء الكبير.
تقول عائشة التي عملت مذيعة أخبار بارزة ومقدمة برامج حوارية سياسية إن هروب الرئيس أخذ معه أي بصيص أمل بقي للنساء لاسيما المتعلمات والصريحات. وتصف كل ما يحيط بها بالانهيار فيما بدا وكأنه حدث في ثوان.
وأضافت “عملت لسنوات عديدة في الصحافة لرفع صوت الأفغان، وخاصة النساء، لكن هويتنا تتدمر اليوم مع أننا كنساء لم نقترف أي ذنب يستحق ذلك”. تغيرت حياة الصحافية عائشة وهي محاصرة في منزلها منذ أيام والموت يهددها في كل لحظة.
عائشة واحدة من الصحافيات الأفغانيات اللواتي تواصلن مع الغارديان خلال الأيام الماضية، ووثّقن سقوط بلادهن في هوة الخوف. لكنها تخشى اليوم أن تدفع حياتها ثمنا لأي مادة صحافية تحمل اسمها.
عندما اجتاز عناصر طالبان بوابات العاصمة كابول، أول شيء تلقته الصحافية فيريبا مكالمة هاتفية من شقيقها، يسألها مرتبكا أين أنت الآن؟ لا يمكن للنساء فعل أي شيء في ذلك الوقت غير التوجه مباشرة إلى المنزل والبحث في الملابس العتيقة عما يمكن أن يصلح كبرقع أو حجاب.
بمجرد أن تتذكر هذه الصحافية القصة التي كانت سائدة عن تعرض النساء للضرب، وأخذهن قسراً كزوجات واغتصابهن، تصاب بالذعر وتتخيل أن ذلك سيكون مصيرها خلال أيام. فقلق فيريبا مضاعف لأنها أولا فتاة وثانيا صحافية.
ولأن زيبا تعمل في واحدة من أكبر الشبكات الإعلامية في أفغانستان، فهذا يعني أنها وزوجها وأطفالها لن يحظوا بأي رحمة من عناصر طالبان.
الصحافيات هدف مشروع للانتقام بالنسبة إلى طالبان، دعك من التصريحات والوعود التي أطلقها قادة طالبان باحترام الحياة العامة ووسائل الإعلام الخاصة، فلا أحد يصدقها من الرجال، فما بالك بالنساء الأفغانيات.
الصحافيات كائنات ضارة على طالبان يجب إخراجهن مما يجري جسديا، فيما العالم برمته سيبقى مراقبا ومنددا، ومكللا بالعار لأنه سار خلف غرور الرئيس الأميركي جو بايدن الذي رفض التعبير عن ندمه على الكارثة التي سببها لأفغانستان.