د. صلاح الصافي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الطائفة والطائفية والانتخابات

مما لاشك فيه أن الطوائف الإسلامية بصفتها تجمعات دينية تجد أصولها في الفرق الإسلامية التي كانت تجمعات دينية خالصة قائمة على عنصر الانتماء الطوعي، ثم تحولت إلى كيانات اجتماعية متمايزة عن تلك الفرق، قائمة على عنصر الوراثة، ثم إلى عصبية طائفية شبيهة بالعصبية القبلية.

تبرز أهمية الطقوس والشعائر الجماعية في خلق الروح الجماعية أو روح الجماعة والروابط القائمة بين معتنقي دين، أو إيمان، أي إن الدين ولاسيما في مظهره الطقوسي الشعائري الجماعي يؤدي دور الحافظ لكيان الجماعة وهويتها وضمان تماسكها، ودور الرقابة على الأفعال الجماعية وترسيخ علاقات التابع والمتبوع، ويقصد بالطقوس هنا، تلك الشعائر التي لم توجد بدلالة العقيدة الدينية وإنما تلك التي خلقتها وطورتها المؤسسة الطائفية لتصبح معتقداً، فإيماناً، فدين، وهذا ما يفسر تأكيد المؤسسات الطائفية ورجال الدين فيها على تلك الطقوس.

وعليه يمكن تعريف الطائفة بأنها: كيان اجتماعي يقوم على أساس ممارسة معتقد معين ويحرص على تنظيم شؤون أعضائه الاجتماعية والعائلية وممارسة طقوسهم وشعائرهم على أساس ذلك المعتقد.

ومن هنا أصبح الالتزام بوحدة الطائفة ورموزها وطقوسها هو الدين في تصور عامة الطائفة، وراح زعماء الطوائف يغذون هذا المزج بين الطائفة والدين، ذلك أن من ثنايا هذا المزج ينبع الرافد الرئيس للطائفية، أي الاستخدام السياسي للدين.

أما الطائفية فنأخذ بتعريف الباحث فرهاد إبراهيم في دراسة مميزة حول الطائفية السياسية، "إن الطائفية لا تعني مجرد وجود التنوع الديني في المجتمع، فهذا التنوع لا يكتسب أهمية سياسية إلا إذا ترتب عليه تنافس أو تنازع أو صراع في مجالات القيم أو الثروة أو السلطة، ومن هنا تبرز أهمية التفريق بين الطوائف وبين الطائفية، فالمفهوم الأول يشير فقط إلى التنوع في المعتقدات والممارسات الدينية بين الأفراد أو المجموعات التي يتكون منها المجتمع".

أما الطائفية فإنها تشير إلى "استخدام هذا التنوع الديني لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو ثقافية مثل المحافظة على مصالح ومزايا مكتسبة أو النضال من أجل تحقيق مثل تلك المصالح، والمزايا لزعماء أو أبناء طائفة معينة في مواجهة طوائف أخرى، وعادة ما تصبح الطائفية بهذا المعنى تستعمل الدين كوسيلة لتحقيق أهداف دنيوية".

وفي ضوء هذا التعريف يظهر أن الطائفية قد تحمل معنى المسعى الجماعي أو الفردي الهادف إلى تأمين مصالح الطائفة السياسية والاقتصادية والدينية على حساب الطوائف الأخرى، وهو مسعى قد يكون نابعاً من التزام عصبوي اجتماعي-مذهبي وهنا يكون الطائفي شخصاً ملتزماً بأهداف جماعته ومصالحها.

بعد توضيح مفهوم الطائفة والطائفية، لنرى تأثير الطائفية في المجتمع وانعكاسها على الانتخابات القادمة المزمع اجراؤها في الشهر القادم، إن العزف على الوتر الطائفي نجح نجاحاً باهراً بكسب ود الناخب في الانتخابات التي جرت من (2003) لغاية انتخابات (2018)، ومن خلال الحملة الانتخابية نجد الكثير من المرشحين ما زال يسير على نفس المنهج، فأحدهم يؤكد أن سبب ترشيحه للانتخابات طلب من فاطمة الزهراء وآخر ترشح بطلب من أبي بكر، ويستمر أغلب المرشحين بتخويف أبناء طائفتهم من صعود أبناء الطوائف الأخرى على شعائرهم الدينية ومعتقداتهم المذهبية، وهؤلاء المتشدقون بالطائفية هم سبب دمار البلد وما وصل عليه حاله، فهل نرى نفس الوجوه الكالحة التي تدعي الانتماء الطائفي ويستمر الضحك على الذقون؟، وتبقى مدننا مدن أشباح خالية من أي اعمار أم للمواطن رأي آخر.