محمد محمود بشار يكتب لـ(اليوم الثامن):
السوري من القرار 2254 إلى الرقم 350209
لم يعد في استطاعة علم السياسة و علم الاجتماع تقديم مصطلحات تكفي لوصف حالة السوري، بعد عقد من الحروب. نعم إنها حروب و ليست حرباً واحدة، ولكن من يدفع ضريبة كل هذه الحروب بمختلف جهاتها و مموليها هو السوري.
(رقمنة) السوري في المؤسسات الاعلامية و تقارير منظمات حقوق الانسان ظاهرة إعتادها أهل الدار، طبعاُ المقصود من استخدام مصطلح (الرقمنة) هو للدلالة على تحول المواطن السوري إلى مجرد رقم يتم ذكره في النشرات و التقارير الصحفية، و لكن هذه المرة تقوم أكبر منظمة في التاريخ المعاصر للبشرية إلا و هي الأمم المتحدة بتلخيص الوضع السوري من خلال رقم محدد و هو 350209. طبعا هذا الرقم هو المحصلة النهائية التي خلص إليها آخر تقرير لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
بين آذار/مارس عام 2011 و آذار/مارس 2021 سقط 350 ألف و 209 مواطنين سوريين قتلى نتيجة للحرب الدائرة في البلاد، وبحسب مفوضية حقوق الانسان إن هذا الرقم هو اقل من الرقم الحقيقي. و لكن المعايير التي تستند إليها المنظمة الدولية في عملها، تجعل منها تضع هذا الرقم بين يدي المتابعين و المهتمين، فهي – أي المفوضية – تعتمد على احصائيات شديدة الدقة.
بعد مرور أكثر من عشر سنوات على المقتلة السورية، مازالت دول العالم و المنظمات الدولية تتعامل مع السوري كأرقام فقط.
أحياناً يكون الرقم صادماً و احياناً أخرى لا يكون له أي تأثير يُذكر، و هذا الرقم الذي أوردته الأمم المتحدة لم يكن صادماً لأهل الدار و هنا أقصد السوريين. لأنه هناك أرقام أكبر بكثير تم نشرها قبل صدور التقرير الأممي الجديد.
فد يُصاب البعض في العديد من الدول بالصدمة حين يسمع حديث ميشيل باشيليت، مفوّضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان التي تقول بأن من بين كل 13 ضحية سورية امرأة و كذلك من بين كل 13 ضحية طفل.
ولكن السوري لن يُصاب بالذهول، و الذي هو من فقد من عائلته، فهناك اشخاص فقدوا والديهم و هناك أمهات فقدت أطفالها و زوجات فقدن ازواجهن، و هناك الملايين التي تشردت و اصبحت في عداد اللاجئين و النازحين و المهجرين، وذلك لأن كل السوريين من دون استثناء عاشوا أجواء هذه الحروب التي يتم خوضها ليس فوق أراضيهم فقط و إنما فوق أجسادهم و أجساد أطفالهم.
استراتيجية (الرقمنة) التي انتهجتها المنظمة الدولية اتجاه المواطن السوري، تسببت بحالة من فقدان الثقة ازاء أي قرار دولي يتعلق بالوضع السوري، و القرار رقم 2254 الصادر عن مجلس الامن الدولي خير مثال على عدم جدية الامم المتحدة في تطبيق قراراتها. فمازال ذلك القرار الذي بلغ من العمر ست سنوات، عالقا على ربطات العنق الانيقة التي يرتديها الدبلوماسيون في اجتماعات مجلس الامن وهم يناقشون اسوء ازمة شهدها التاريخ المعاصر.
السوري الذي تحول الى مجرد رقم بالنسبة للأمم المتحدة و منظمات حقوق الانسان و المؤسسات الاعلامية، مازال يرى نفسه إنساناً، و هو يعلم تماماً بأن الحرب التي بدأت قبل عقد من الزمن لن تضع أوزارها قريباً، بل ستستمر لأمد طويل.
لذلك العالم جميعاً و على رأسه القوى الكبرى و هيئة الأمم المتحدة مدعوة لإجراء مراجعة لمفاهيمها و رؤيتها الحالية من خلال التعامل مع السوريين كبشر و الابتعاد عن استراتيجية الرقمنة.
*كاتب سوري