محمد محمود بشار يكتب لـ(اليوم الثامن):
بوابة دمشق الجديدة.. ماذا تريد الأردن من الأسد
البوابات التي تمر منها الحلول الاسعافية مهمة جداً لمعالجة الأزمات اليومية الناجمة عن الحروب المستمرة منذ عقد من الزمن في سوريا.
الرئيس السوري بشار الأسد لا يثق في حلفائه إلى اللانهاية، فلكل ثقة حدودها التي ترتسم عند مصالح كل دولة أو قوة حليفة بالنسبة لدمشق. و لأن تلك المصالح هي التي تحكم على قرارات حلفاء دمشق، مازالت لحد الآن الحدود السورية مع دول الجوار إما مغلقة أو مرهونة بصفقة يعقدها الحليف مع الجار من دون المرور بدمشق كعاصمة سابقة للقرار السياسي و السيادي في سوريا.
سوريا الآن هي بلد العواصم المتعددة، فعلى سبيل المثال (حميميم) الآن هي إحدى أهم العواصم السورية حيث التواجد العسكري الروسي الضخم و تحول هذه القاعدة العسكرية الى ملتقى دبلوماسي مهم، وعندما زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوريا، لم يتجه إلى دمشق بل كانت النقطة الاولى التي وطأت قدماه فيها هي حميميم و كان الأسد موجودا في الصف الثاني لمستقبلي بوتين حيث كان الصف الاول يتكون من الضباط الروس رفيعي المستوى.
العاصمة الأخرى هي بلدة (عين عيسى) وهي التي اتخذتها الادارة الذاتية لشمال و شرق سوريا عاصمة لها، وعلى الرغم من صغرها فهي تشكل مركز رمزي لاتخاذ القرارات لقوات سوريا الديمقراطية و هي أهم حليف للولايات المتحدة الامريكية في سوريا.
و إحدى العواصم هي مدينة جرابلس الواقعة تحت سلطة الجيش التركي الذي قام بشن ثلاثة عمليات عسكرية كبيرة احتل من خلالها العديد من المدن و البلدات السورية المتاخمة للحدود التركية و ذلك تحت مسميات (درع الفرات) و (غصن الزيتون) و (نبع السلام). و مدينة جرابلس لها رمزيتها و اهميتها بالنسبة للدولة التركية في عدوانها على الاراضي السورية، فهي أول مدينة احتلتها تركيا في سوريا و ذلك من دون حرب، فانتقلت المدينة من حكم داعش إلى حكم الاتراك.
أما (التنف) فهي دولة ضمن دولة، هي الدولة الأكثر سرية و غموضاً على مستوى كافة المناطق السورية، حيث التواجد الامريكي المكثف مع قوة عسكرية محلية غير واضحة المعالم بالنسبة لأغلبية السوريين و تلك القوى تطلق على نفسها اسم (مغاوير الثورة).
يحاول الرئيس السوري الآن إعادة ضخ الحياة إلى شرايين دمشق و انعاشها كعاصمة لها ثقلها السيادي و استقلاليتها في القرار، وذلك من خلال التوجه الى العمق العربي من دون وصاية روسية أو ايرانية.
وبالنسبة للحدود المحيطة بسوريا، فإن الأردن هو أفضل حل اسعافي أمام دمشق لحلحلة بعض الأمور الآنية المستعجلة وكذلك هو الطريق الذي سيعيد دمشق الى عمقها العربي وبنفس الوقت فإن دمشق ترى في عمان الجسر الأكثر متانة للتواصل مع مراكز صنع القرار في الغرب لما للأردن من مكانة مميزة في شبكة العلاقات الدولية.
الحدود السورية التركية بشكل شبه كامل هي خارج سيطرة دمشق، حيث تدير الإدارة الذاتية و قوات سوريا الديمقراطية أغلبية المدن و البلدات الحدودية في الشمال الشرقي، و تحتل تركيا ما تبقى من مدن و قصبات حدودية.
والحدود العراقية كذلك القسم الأكثر أهمية منها تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية والتي تدعمها واشنطن للحفاظ على مصادر النفط و الطاقة في سوريا و بالتالي لتستطيع في الاستمرار في حربها ضد داعش.
أما القسم الآخر من الحدود العراقية السورية يقع تحت سيطرة الميليشيات الايرانية و التي جعلت من تلك الحدود بوابة لتمدد النفوذ الايراني في الدول العربية و خاصة في سوريا و العراق و لبنان.
بالنسبة للحدود اللبنانية المتاخمة للحدود السورية، هي ايضاً من الناحية العملية تقع تحت سيطرة حزب الله أي أن الدولة اللبنانية لا حول لها و لا قوة في إدارة المعابر الحدودية مع سوريا، و بالتالي لا يمكن لدمشق أن تعتمد على تلك الحدود عندما تتعامل كدولة مع الأمر.
الحدود الاسرائيلية هي شبه مغلقة منذ عقود و خاصة في منطقة الجولان و القنيطرة، و دمشق لا تجرؤ حتى في التفكير في فتح هذه الحدود نظرا لحساسية العلاقة مع اسرائيل.
بقي أمام دمشق الحدود الاردنية، فهذه الحدود هي تحت سيطرة المملكة الاردنية بشكل كامل، و الأردن هي الدولة الوحيدة من بين دول الجوار السوري التي لم تستخدم هذه الحدود لقضم أراضي سورية و تقوية نفوذها داخل سوريا، بالعكس تماماً حيث دعا العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني في آخر زيارة لها لواشنطن و أثناء لقائه مع الرئيس الامريكي جو بايدن الى تطبيع العلاقات مع دمشق.
الخطوة الأولى في عملية التطبيع استمدت شرعيتها من حل أزمة المحروقات في لبنان و ايصال الغاز إلى لبنان عبر خط غاز يربط عدة دول عربية و يمر من الاردن الى سوريا ليصل إلى لبنان، و من ثم تطورت العلاقة بين عمان و دمشق لعقد اتفاقيات جديدة و فتح الحدود و استقبال الوفود الرسمية بين البلدين.
ولكن يبقى الأردن حليفا مهما للولايات المتحدة الامريكية، و خيوط هذه الاستراتيجية الاردنية الجديدة إزاء الوضع السوري قد حيكت في البيت الابيض، حيث تم الاعلان عنها في واشنطن و تحت رعاية جو بايدن.
يبدو أن السياسة الامريكية الجديدة هي تجريد الرئيس السوري بشار الاسد من حلفائه الروس و الايرانيين، و دمشق راضية بهذا المسار الجديد، طالما أن كرسي الحكم في حي (المهاجرين) الدمشقي في أيادي أمينة.
*كاتب سوري