سعيد عبدالله بكران يكتب:

إيران وفرض هويتها المذهبية في اليمن

تفرض إيران اليوم على اليمن الأعلى "الزيدي" واليمن الأوسط وتهامة "الشافع"، هوية مذهبية إيرانية اثني عشرية.

وهذا يحدث لأول مرة في اليمن الذي حكمته الزيدية، وهي في الأساس فرقة من فرق الشيعة لكنها لم تفرض هويتها المذهبية على مناطق الشوافع السنة وهذا يحسب للزيدية. 

 نعم.. فرضت سلطتها السياسية لكنها بشكل عام احترمت النطاق المذهبي.

هذا التدخل البغيض في الهوية الاجتماعية للزيدية والسنة هو أكثر وأوضح مظاهر الاحتلال وأوقحها، لم يفعل هذا الفعل المجنون أي احتلال من قبل في أي بلد.

احتلت أوطان وبلدان لعشرات السنين من الإنجليز والفرنسيين وحتى الأتراك الذين احتلوا اليمن لم يتدخلوا في إحداث أي تغييرات في الهوية المذهبية للزيدية ولا للشوافع. 

المثير للصدمة أنك تجد أتباع الخميني والإخوان معاً يتحدثون عن الاحتلال الإماراتي والسعودي للجنوب!

ومن مهرجان للتراث السقطري في سقطرى والموروث الشعبي، نفذته الإمارات، صاح الطرفان الإسلاميان الحركيان بصوت واحد تنديداً بالتغيير في هوية سقطرى مع أن المهرجان لم يجلب أي محدثات هوياتية للسقطريين من الإمارات ولا من السعودية، بل على العكس يقول المهرجان والجهة التي دعمته يجب أن تبقى سقطرى على موروثها التاريخي والشعبي كما هي وتتذكره وتتمسك به.

صحيح لدينا مشاكل في مناطق ما يسميها الثنائي الخميني والإخواني بمناطق (الاحتلال السعودي الإماراتي)، مشاكل تتعلق بالحياة، العملة، الرواتب، الخدمات، لكن ليس لدينا أي مشاكل تتصل بالهوية العامة، مذهبية كانت أو هوية تقاليد وعادات أو مناسبات تاريخية أو دينية.

بينما في المناطق التي يقولون هم ويروجون للناس، إنها تحررت من الاحتلال وتنعم بالحرية والهوية والسيادة.. تفرض طهران تغييرا جذريا ونسخا هوياتيا مذهبيا للمذهب في إيران وسيتحول بشكل عادي مع الزمن إلى تغيير حتى في العادات الاجتماعية والموروث الشعبي. 

إنها تفرض تغييراً حتى في المزاج العام للناس، تغييراً في الألوان المفضلة، في الموسيقى المفضلة، في المفردات الاجتماعية كلها.

هذه الاستباحة الهوياتية التي تنقل شعبا كاملا من تراثه المذهبي والديني والاجتماعي والإنساني إلى تراث شعب آخر وهويته وتراثه ومزاجه العام. ليست احتلالاً في نظر الأذناب الحركيين أتباع إيران.

ولا تثير حتى حفيظة الإخوان باعتبار أن هذه المسائل هي فروع مذهبية مختلف فيها نعمل مع إيران فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه. 

ما يغضب الإخوان هو ذهاب السلطة لفصيل ديني حركي منافس، لا تغضبهم المسألة التي نتحدث عنها، وحتى غضبهم من ذهاب السلطة لفصيل إسلامي منافس يمكن السيطرة عليه إذا قبل الفصيل الإسلامي المنافس الشراكة معهم.

والحقيقة إن الجنون الإيراني في اليمن هو أكبر بكثير من الاحتلال الذي تعارفت عليه البشرية.

إيران تقوم بعملية استلاب وإلحاق وضم لا إنساني لشعب لديه موروث تاريخي ومذهبي ولديه مزاجه العام وتراثه الاجتماعي، وهي تفرض مذهبها الاثني عشري اليوم بكل طقوسه على مناطق الزيدية والشافعية معاً في سابقة لا مثيل لها.

المحزن في المشهد أن كل هذا الاستلاب الأعظم من الاحتلال تحصل عليه إيران مجاناً دون مقابل عدا ما كلفها من تحويل طائفة من أبناء مناطق الاحتلال أو الاستلاب إلى إيرانيين أكثر من الإيرانيين أنفسهم. 

ما تفعله إيران في اليمن سرقة تاريخية تقوم بها دولة ذات هوية يمكن احترامها داخل حدودها الوطنية أياً كانت. 

لكنها تسرق هوية شعب ودولة أخرى بشكل كامل وتقوم بعملية إحلال وتبديل بقوة السلاح وخطاب مذهبها وهويتها الجديدة.